مفهوم أُصولِ الفقه
يتكون مفهوم أُصولِ الفقهِ من كلمتين هما: "أصول" و"فقه". الكلمة الأولى التي هي ]الأصول[ جمعُ "أصل" تعني في اللغة ما بني عليه غيره، نقول "أصل البيت" أي أساسه الذي بُـنـيَ عليه. أما في التعريف الأصولي فيعني الأصل الدليل. نجد مثلا أصلَ أو دليلَ وجوب الصيام في قول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[1]. الكلمة الثانية التي هي "الفقه" تعني في اللغة الفهم، أقول "فَقِهْتُ كلامَ أُستاذي" إذا فَهِمْتُ الغرض منه. أما في التعريف الأصولي فهو معرفة الأحكام الشرعية عن طريق الاجتهاد كمعرفة حكم الصلاة والصوم والزواج وغير ذلك من الأحكام. والاجتهاد هو بذل الجهد قصد التعرف على الصواب في شرع الله تعالى. ففى المسائل الاجتهادية يكثر الخلاف بين العلماء لعدم وضوحها ولما تحتاج إليه من تقص وجمع للأدلة، لذا يلزم المجتهدَ تتبع الأدلة حتى يخلص إلى حكم الله فيها.
وأما
علم أصول الفقه فهو علم يبحث في أدلة الفقه الإجمالية وكيفية استنباط
الأحكام الشرعية منها.
ونقصد بـ الإجمالية الأدلة الكلية التي تستمد منها باقي الأصول والقواعد
والأحكام الفقهية، والتي تشكل منطلقا ومرجعا للأصولي والفقيه على حد سواء،
فالأصولي يستنبط منها القواعد التي تمكن الفقيه من ضبط فتواه وجلعها مبنية على
أساس شرعي راسخ.
الأدلة الإجمالية المتفق عليها هي القرآن والسنة والإجماع والقياس، أما الأدلة المختلف فيها فهي: الاستصحاب ومذهب الصحابي والاستحسان والمصلحة المرسلة والعرف وشرع من قبلَنا وسد الذرائع.
وأما
نشأة علم أصول الفقه فقد مارسه الصحابة بفطرهم السليمة لكونهم أعقل
الناس وأذكاهم و أعلمَهم باللغة العربية. قال عبد الله بن مسعود متحدثا عن خصالهم:
"هؤلاء هم أصحاب النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أعمق هذه الأمة علما،
وأبرها قلوبا وأقلها تكلفا"، وقد رضي الله عن فهمهم وعملهم. قال الله تعالى
في معرض الثناء عليهم:﴿لَقَدْ رَضِيَ
اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا
فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا
قَرِيبًا﴾[2] .
فلما قل انتشار العلم الشرعي بعدهم وكثر الأعاجم بين المسلمين ، شرع العلماء في
تأليف الكتب في علم أصول الفقه ووضع القواعد له لكي يضبط ولا يضيع. ويعد الإمام
الشافعي من أوائل الذين كتبوا في هذا العلم، حيث ألف كتابا بعنوان "الرسالة"،
ضمنه أهم الأصول التي تساعد الفقيه في الوصول إلى مراد الله ورسوله، وركز فيه
على إعطاء أمثلة من كتاب الله وسنة رسوله، وجمع فيه بين منهج مدرسة أهل المدينة التي
اشتهرت برواية الحديث والتشبث بالنصوص، ومنهج مدرسة أهل العراق التي عرف عنها
الأخذ بالرأي فخرج في كتابه هذا بمنهج متكامل فيه اعتبار لكل من العقل والنقل. وكثير
ممن أتى بعده من العلماء اعتمدوا كتابه أساسا ومنطلقا لنتاجهم العلمي.
1.2. فوائده
لعلم أصول الفقه فوائد كثيرة نذكر باختصار
شديد أهمها:
·
تعميق الفهم
لنصوص الكتاب والسنة والكشف عن مضامينها.
·
تسهيل التعرف
على الرأي الصائب في المسائل الخلافية.
·
تقليص الخلاف بين
علماء المذاهب الفقهية والتقريب
بين
وجهات نظرهم، إذ لو تحروا الالتزام بالأصول لقل الخلاف بينهم.
·
تحقيق راحة ضمير
المجتهد بعد أن يكون قد بنى اجتهاده على أساس متين.
· تقصير الوقت في سبيل التعرف على الأحكام الشرعية.
القسم الأول: في الأصول الشرعية
3. الأصول الشرعية
تنقسم الأصول الشرعية
إلى صنفين: صنف اتفق عليه وصنف اختلف فيه. ويشمل صنف الأصول المتفق عليها كلا من الكتاب
والسنة والإجماع والقياس، حيث قال الله تعالى:﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي
الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[3] فالأمر في
الآية بطاعة الله ورسوله أمر باتباع القرآن والسنة، والأمر بطاعة أولي الأمر أمر باعتماد
إجماع علماء المسلمين أساسا ومرجعا للتشريع، والأمر برد المسائل المتنازع فيها إلى
الله والرسول أمر باتخاذ القياس منهجا إذا ما غاب دليل مباشر من
القرآن أو السنة أو الإجماع.
ويضم صنف الأصول المختلف فيها كلا من الاستصحاب ومذهب الصحابي والاستحسان والمصلحة المرسلة والعرف وشرع من قبلَنا وسد الذرائع. وسنعرض فيما يلي للأصول المتفق عليها ثم نتبعها بـالأصول المختلف فيها.
1.3 القرآن الكريم
يعني
القرآن في اللغة المقروء، وفي التعريف الشرعي كلام الله المعصوم الذي نزل به جبريل على
قلب النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) خلال 23 سنة مفرقا حسب الحوادث التي هي
أسباب النزول، ليثبت رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والمؤمنين ويوجههم في أمور حياتهم. فهو الأصل المتين الذي يربط العبد
المؤمن بربه فيكون له منهاج حياة متكامل. وقد تعهد الله عز وجل بحفظه من أي تحريف
أو ضياع فقال سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[4].
ففي
القرآن الكريم يجد المرء كل ما يحتاج إليه من أمور دينه كالمعتقد، والحلال والحرام
وأحكام المعاملات والمواعظ والحِكم، قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم
مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ *يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[5].
وقال
الله عز وجل:﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ
بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾[6]. وقال
تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ
النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾[7].وقال
أيضا:﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[8].
وقال
النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في حديث صحيح[9]:"تركت
فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله و سنتي!"[10]
فما من حكم من الأحكام الشرعية إلا ونجد
له أصلا في القرآن الكريم.
2.3 السنة النبوية
تعني
السنة في اللغة الطريقة المعتادة. وفي التعريف الأصولي هي ما روي عن
النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من أقوال وأفعال وتقريرات وصفات
خُلقية وخِلقية.
أما الأقوال فنجد لها مثالا في حديث لعمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ رواه عن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قال فيه : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ."[11]إنـما الأعـمـال بالنيات ما الأعـمـال بالنيات
وأما الأفعال فنجد لها مثالاً فيما روته عائشة رضي الله عنها في صيام الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) للتطوع، حيث قالت: " كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم"[12]
وأما
التقريرات التي تعني سكوته (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عن أفعال وأقوال
أصحابه وعدم إنكاره لها، فنجد لها مثالا في حديث ابن عمر (رضي الله عنهما) الذي
روى فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الأحزاب قال:
"لا
يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة". فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي
حتى نأتيها، وقال بعضهم بل نصلي، لم يُرَدْ منا ذلك، فَذُكِر للنبي صلى الله عليه
وسلم فلم يعنف واحدا منهم.[13]
وأما
الصفات الخُلُقية فمثالها نجده في حديث
لابن عباس (رضي الله عنهما) يقول فيه: "كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان..."[14]
وأما الصفات الخِلْقِية فنجد مثالها في حديث روي عن البراء (رضي الله عنه) قال فيه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسنهم خَـلْـقا، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير"[15].
وتأتي
السنة بعد القرآن الكريم كثاني أصل من الأصول الشرعية فكلاهما يعتبر وحيا من
الله تعالى. قال عز وجل:﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا
هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ
هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾[16]
وترتبط
السنة بالقرآن الكريم ارتباطا وثيقا، فهي التي تبين مضامينَه
وتوضح آياته، بحيث لا يمكننا فهمه إلا بالاستعانة بها، كما أتتنا السنة بأحكام كثيرة لا نجدها في القرآن. ومثال بيانها للقرآن قول الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾[17] فقد بينت السنة صفة الصلاة وطرق أداء الزكاة فلولاها لما علمنا كيف نصلي ولا كيف نؤدي الزكاة. ويشترط للسنة أن تكون ثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لان الحديث الضعيف[18] لا تصح نسبته إلى النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ومن ثم لا يؤخذ به كأصل من الاصول الشرعية .والأدلة على حجية السنة كثيرة نذكر منها قولَه تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾[19] والمقصود بالحكمة هنا السنة. وقال عز وجل:﴿ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾[20] وقال أيضا: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾[21] وتعني الآية وأنزلنا إليك السنة يا محمد لتبين للناس ما نزل إليهم من القرآن. وقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي."[22] وقال في حديث آخر: "تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك."[23] وقال كذلك: "عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"[24]. وقال أيضا: "لا أُلفين أحدَكم يجلس على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه. ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه!"[25]
3.3 الإجماع
يعني
الإجماع في اللغة الاتفاق. وفي التعريف الأصولي هو اتفاق علماء
الأمة الإسلامية على حكم شرعي. أما اتفاق غير العلماء فلا يؤخذ به لانتفاء
تخصصهم في الشرع. قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[26]. إن حق الإفتاء
في الدين يكون لعلماء الشرع دون غيرهم لأنهم تخصصوا فيه. فكما أن الإنسان إذا مرض
يذهب إلى طبيب مختص كذلك يكون عليه الحال إن عرضت له مسألة في دينه فإنه يقصد
عالما شرعيا هو أهل للإفتاء في ذلك.
ويلزم للإجماع أن يتحقق في الأمة الإسلامية، إذ لا عبرة باتفاق أو خلاف باقي الأمم. قال رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : " إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة."[27] ومحل الشاهد في الحديث أنه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) نسب عصمة الإجماع لأمته.
ويكون
الإجماع بين العلماء في المسائل الشرعية ولا بد له من مستند
من القرآن أو السنة، لأن القول في الدين من غير دليل محرم، قال الله
تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ
النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾[28]،
وقال أيضا:﴿ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾[29].وإذا
خالف عالم واحد الإجماع بدليل كان ذلك ناقضا له. أما
إذا خالف بدون دليل فلا يكون هناك نقض لغياب الحجة. ولكي يتضح
الإجماع ندرج هنا الأمثلة التالية:
· أجمع
علماء الشرع على أن الماء الكثير إذا أصابته نجاسة جاز الغسل والوضوء به ما لم
يتغير لونه أو طعمه أو رائحته.
· أجمع
علماء الشرع على أن الوطء يفسد الصوم.
· أجمع علماء الشرع على أنه لا يرث مع الأم جدة.
والدليل
على أن الإجماع هو الأصل الشرعي الثالث بعد كتاب الله وسنة رسوله نجده في قول الله
تعالى:﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[30] ،
وفي قوله تعالى:﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾[31]
والشاهد هنا أن الله تعالى جعل إجماع الأمة يوم القيامة حجة على باقي الأمم
لأن الإجماع معصوم لا يعتريه الخطأ أبدا. قال رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله
وسلم) في هذا السياق: " إن الله تعالى لا
يجمع أمتي على ضلالة!" ومعنى
الضلالة هنا الخطأ. ونجد في حديث
آخر قصة النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وهو جالس مع أصحابه إذ مرت جنازة
فقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "ماتقولون في هذا؟" فذكروه بخير
فقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "وجبت!". ثم مرت جنازة فقال (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم): "ما تقولون في هذا؟" فذكروه بسوء فقال (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم): "وجبت!". فسألوا النبي (صلى الله عليه وعلى
آله وسلم) لِـمَ سألهم، فقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "أما الأول
فذكرتموه بخير فقلت وجبت له الجنة! وأما الثاني فذكرتموه بسوء فقلت وجبت له النار!
أنتم شهداءُ الله في الأرض."[32]
وقد
كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بعد وفاته يأخذون بالإجماع كأصل
شرعي، فقد روي عن أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) أنهما إذا عرضت لهما مسألة ولم
يجدوا فيها دليلا من القرآن أو السنة جَمَعُوا الصحابة فإن اتفقوا على رأي واحد
أخذوا به.
وقد
قسم علماء الأصول الإجماع إلى ثلاثة أقسام: إجماع قولي وإجماع
فعلي وإجماع سكوتي.
هو اتفاق العلماء على قول واحد، كاتفاقهم
على تحريم الزنى.
هو
اتفاق العلماء على فعل واحد كالختان، فجميعهم مختونون.
هو
أن يفتي عالم بفتوى في قضية ويسكت عنه باقي العلماء. وله شروط أولها
أن تكون فتوى الفقيه معروفة عند العلماء. ثانيها أن يُعطى الوقت الكافي
للعلماء ليمعنوا النظر فيها. ثالثها أن لا يكون مانع يمنع العلماء من ردها
كالخوف من حاكم جائر أو فتنة بين المسلمين.
يتضح الآن بعد تعرفنا على الإجماع وشروطِه صعوبة تحققه لدقة شروطه ولانتشار العلماء في أنحاء الأرض، حيث يعسر الإطلاع الكلي على أقوالهم، لذا فجميع شروطه قلما تتوفر. قال بعض العلماء: "من ادعى الإجماع فقد كذب!"
4.3 القياس
يعني القياس في اللغة التقدير، أقول:"قست الثوب" أي قدرت طوله أو عرضه. ويأتي كذلك بمعنى التمثيل والتشبيه، يقال: "لا يُقاس الله تعالى بخلقه" أي لايمثل ولا يشبه بهم. وفي التعريف الأصولي هو رد واقعة غير منصوص عليها إلى واقعة منصوص عليها لاتفاق بينهما في العلة والحكم.
وأما
الدليلُ على أن القياس الأصلَ الرابع من الأصول الشرعية، فنجده في قول الله
تعالى:﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[33] وقال الله
تعالى في سورة النساء:﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ
مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً ﴾[34] والمعنى
المستفاد هنا: إذا اختلفتم يا معشر المسلمين في مسألة ولم تجدوا لها دليلا في القرآن
أو السنة أو إجماع أهل العلم فقيسوها على ما قاله الله ورسوله. وقال
عز وجل في سياق حديثه عن قَصص أقوام الأنبياء:
﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾[35] وقال سبحانه
وتعالى أيضا: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ﴾[36] وتتضمن هذه
الآيات دعوة المؤمنين إلى أن يـقيسوا أنفسهم على تلك الأقوام التي سبقتهم، فإن هم اقتفوا أثرهم فسيحصل لهم مثل ما حصل لسابقيهم.
وفي الحديث الصحيح: "جاء شاب إلى النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقال يا رسول الله: إئذن لي بالزنى فقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أترضاه لأمك؟ قال لا! أترضاه لابنتك؟ قال لا! أترضاه لاختك؟ قال لا! أترضاه لعمتك؟ قال لا! أترضاه لخالتك؟ قال لا! قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كذلك غيرك!"[37]
ومحل
الشاهد هنا أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قاس النساء الأجنبيات على محارم الشاب السائل. وفي حديث آخر: "وُلد لرجل غلام
أسود فأنكره، ثم أتى النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فسأله فقال (صلى الله
عليه وعلى آله وسلم) هل لك من إبل؟ قال نعم! قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وما
ألوانها؟ قال حُمـر! فقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هل فيها من أورق؟ قال
نعم! فقال فمن أين؟ قال نزعة عِرق! فقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كذلك
ولدُك."[38]ومحل
الشاهد أنه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قاس الولد على الإبل. وقد كان الصحابة (رضوان
الله عليهم) يقيسون في المسائل التي لم يجدو فيها دليلا مباشرا
من القرآن أو السنة أو الإجماع.
1.4.3 أركان القياس
ولكي
يصح اعتماد القياس كدليل شرعي يلزم أن تتوفر فيه أربعة أركان:
أولا توفر الفرع الذي هو المقيس. ثانيا توفر الأصل الذي هو المقيس عليه. ثالثا توفر العلة التي هي سبب التشريع. رابعا توفر الحكم ومعناه الوصف الذي يشترك فيه المقيس والمقيس عليه إذا ما اكتملت شروط القياس.
2.4.3 شروط القياس
ويُشترط
للمقيس أن لا يثبت له حكم بدليل شرعي لانه
إذا ثبت الدليل فلا يجوز القياس إذ "لا اجتهاد مع وجود النص" كما هو
معلوم عند علماء الأصول. ويشترط للمقيس عليه أن يكون حكمه ثابتا بدليل شرعي
وأن يتفق المقيس والمقيس عليه في نفس العلة،
ويُشترط للعلة أن تكون محسوسة متحققة كعلة السكر مثلا، فهي ملموسة
واضحة للجميع. ويشترط للحكم أن يكون ثابتا بدليل من الكتاب أو السنة
أو الإجماع، كتحريم الخمر فإنه حكم ثابت بقول الله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ
رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[39] فإذا
اجتمعت كل هذه الشروط يأخذ المقيس حكم المقيس عليه، ولتوضيح ذلك نذكر
المثال التالي:
قال الله عز وجل في سورة الإسراء:﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾[40]، فالتأفيف على الوالدين محرم بهذا الدليل القرآني. وقد قاس العلماء ضرب الوالدين على التأفيف لاتفاقهما في علة الإذاية، فيأخذ بالتالي ضرب الولدين حكم التأفيف الذي هو التحريم، ويسمي الأصوليون هذا القياس بقياس الأولى[41] لأن الضرب أولى في الإيذاء من التأفيف.
5.3 الاستصحاب
يأتي
الاستصحاب بعد الأصول الشرعية الأربعة كخامس أصل شرعي يرجع إليه في
عملية استنباط الأحكام وممارسة الاجتهاد، ويعني في اللغة طلب الصحبة التي
هي الملازمة. وفي التعريف الأصولي هو الرجوع إلى حكم أصل الشيء عند افتقاد
الدليل الخاص. فهو آخر أصل يُلجأ إليه عند غياب دليل يخص الواقعة. فإذا افتقد هذا
الأخير حينئذ يرجع إلى الأصل في ذلك الشيء، وهذا الأصل يكون ثابتا بـدليل عام من الكتاب أو السنة، ولتوضيح
ذلك نذكر الامثلة الآتية:
المثال
الأول:
حينما ظهرت السجائر وانتشر استهلاكها بين المسلمين جاء الفقهاء فافتوا
بجوازها مستدلين في ذلك بأن الأصل في الأشياء الإباحة، حيث قال الله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾[42] لكن
بعدما تبين بفضل الأبحاث الطبية ضررُ التدخين على صحة الإنسان وبيئته، أفتى الفقهاء
بتحريمه لأن الأصل في الأشياء الضارة التحريم، إذ قال
الله تعالى: ﴿وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾[43] ،وقال النبي (صلى الله عليه وعلى آله
وسلم) : "لا ضرر ولاضرار"[44]،
أي لا ضرر بالنفس ولا إضرار بالغير.
المثال
الثاني:
قال الأصوليون: "الأصل في الطعام الإباحة ما لم يأت دليل مانع".
والدليل قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ
يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ
خِنْزِيرٍ ﴾[45] وقال عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا
صَالِحًا ﴾[46].
المثال
الثالث: الأصل في الفروج التحريم، إلا الزوجة والأمة، فكل علاقة غير
الزواج و مِلْك اليمين محرمة لفقدان الدليل الخاص فيها، لذا يرجع في ذلك إلى
الحكم الأصلي :قال الله عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ
ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾[47].
المثال الرابع: الأصل في العبادات التوقف، فإذا لم يقف المسلم على دليل عبادة معينة فيتعين عليه الرجوع إلى الأصل في العبادة الذي هو التوقف ومعناه تركها. قال الله تعالى ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾[48]. وقال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"[49].
6.3 مذهب الصحابي
مذهب
الصحابي هو فتوى الصحابي في مسألة شرعية. ويعني الصحابي في اللغة الملازم، وفي الشرع
هو من لقي النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) مؤمنا به ومات على الإسلام. فشرط
الصحبة أن يلقى الرجل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وهو مؤمن ولو مرة في
العمر ويموت على الإسلام، فإن لقيه وهو كافر وآمن بعد ذلك ولم يره أو لقيه وهو
مؤمن ومات بعد ذلك كافرا فلا يعد صحابيا.
ويأتي
أصل " مذهب الصحابي " بعد أصل "الاستصحاب"
كواحد من أهم الأصول الشرعية التي اعتبرها الأصوليون من المصادر الأساسية التي يُرجع
إليها عند فقدان الدليل من الكتاب أو السنة. وقد اختلفوا في جواز أخذ أحكام
الدين من الصحابة عند فقدان الدليل، فذهب بعضم إلى أنها لا تؤخذ، لأن الحجة في
الكتاب والسنة.
والصحابة
غير معصومين قد يخطئون في اجتهاداتهم كما قد يخطئ غيرهم، لذا لا ينبغي الاستدلال
بقول أو فعل يحتمل الخطأ. ومن أشهر العلماء الذين تبنوا هذا الرأي أبو محمد ابن
حزم صاحب كتاب
"إحكامِ الأحكام في علم الأصول"[50].
أما الإمام أبو حنيفة فقد ذهب إلى الإقرار بأحقية الأخذ بفتوى الصحابي كحجة إذا ما
افتقد الدليل حتى وإن
اختلفوا، لأن الأخذ بقول أحدهم خير من الرأي. ويرى جمهور
العلماء أن الأحكام
لا
تؤخذ منهم إلا إذا ما توفرت الشروط التالية :
الشرط الأول أن لا يخالف قولُ وفعلُ
الصحابي نصا من القرآن أو السنة أو فتوى صحابي آخر، قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[51] وقال أيضا:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾[52] وقال عز وجل
في آية أخرى:
﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً﴾[53]. قال عبد
الله بن عباس رضي الله عنهما: " أأقول لكم قال رسول الله
(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وتقولون لي قال أبو بكر، قال عمر، والله تكاد
السماء تمطر عليكم حجارة."
الشرط الثاني أن يكون الصحابي عالما والدليل قول الله تعالى:﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾[54] .والراجح والله تعالى أعلم قول الجمهور لقوة أدلته، قال الله تعالى:﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[55] والمؤمنون عند نزول الوحي هم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم). وقال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "اقتدوا بالَّذيْن من بعدي أبي بكر وعمر."[56] وقال أيضا: "عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"[57] ونذكر في مذهب الصحابي مثالين:
المثال الأول: "سئل عبد الله بنُ عباس عن الذي تماطل في قضاء بعض أيام رمضان حتى دخل عليه رمضان المقبل فأفتى بوجوب القضاء و إطعام مسكين عن كل يوم كفارةً له." فابن عباس لم يخالف نصا شرعيا ولم يعرف له مخالف من الصحابة فيؤخذ بقوله. وصح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه توضأ فمسح على الجبيرة، فيُحتج بفعله رضي الله عنه لأنه من علماء الصحابة ولم يُخالف دليلا شرعيا ولا صحابيا آخر في هذا الأمر.
7.3 الاستحسان
نعني
بالاستحسان في اللغة اعتبارُ الشيء حسنا. أقول استحسنت هذا الرأي إذا
اعتبرته وجيها وصائبا، أما في تعريفه الأصولي فهو ترجيح دليل على دليل
أو استثناء حكم فرعي من حكم كلي لاقتضاء عقلي[58].
وينقسم
إلى نوعين:
نوع
يرجح فيه دليل على دليل لاقتضاء عقلي ونجد له مثالا
في حديث للنبي
(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قال فيه: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم
فليغسله سبعا، أولاهن بالتراب". لقد نبه هذا الحديث إلى
أن لعاب الكلب يحدث نجاسة في الإناء إذا ما لامسه. ولأن النبي (صلى الله
عليه وعلى آله وسلم) كان حريصا على طهارة المسلمين والرفع من شأنهم، فقد نصح بغسل
الإناء سبع مرات حتى يطهر. وقد قاسكثير من المجتهدين النسر وباقي الطيور
الجارحة على الكلب فاعتبروا أن نفس الحكم يمضي عليها إن هي هامت على
إناء وتناولت منه. ويبقى مثل هذا القياس مستوفيا لشروط الصحة، إذ أن المقيس
هو النسر والمقيس عليه هو الكلب وعلة القياس هي نجاسة لعابهما،
والحكم هو وجوب تطهير الإناء الذي تناولا منه. وعلى الرغم مما
يتمتع به هذا الدليل من قوة ورجاحة، فقد استحسن بعض المجتهدين الرأي القائل
بـطهارة الماء الذي شربت منه الجوارح معللين ذلك بأنها تشرب بمنقارها الذي
هو عظم طاهر. وهنا يتضح كيف رجح هؤلاء المجتهدون دليلهم باحتكامهم
إلى تعليل عقلي مخالف للدليل الأول رغم وجاهته وصلاحيته.
والنوع
الثاني في الاستحسان هو استثناء حكم فرعي من حكم كلي لاقتضاء عقلي، ومثاله:
أفتى الفقهاء بوجوب الحجر[59]
على مال الذي لا يحسن التصرف فيه، لكن بعضهم استحسن استثناء قدر من المال
لكي يستطيع المحجور عليه الإنفاق على نفسه.
وقد
ذهب الإمام الشافعي وطائفة من علماء المسلمين إلى عدم القبول بالاستحسان كأصل
شرعي لأن الشرع لا يمكن أن يؤخذ من العقل خصوصا أن عقول
الناس تختلف فقد يحصل
أن يستحسن هذا ما لا يستحسنه الآخر، وكل أمر ليس له مستند شرعي لا
يجوز الأخذ به، فلربما اعتمد المجتهد على دليل هو أقرب إلى هوى النفس منه
إلى الحق. قال تعالى:﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم
بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ
عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾[60].
وأما الترجيح بالدليل فهو استحسان معتبر باتفاق الأصوليين.
8.3 المصلحة المرسلة
تعني المصلحة المرسلة
في اللغة المنفعة المطلقة، أما في تعريفها الأصولى فهي الوسيلة الشرعية التي فيها مصلحة للناس ولم يأت دليل على إباحتها أو تحريمها.
ويلزم
أن تجتمع فيها ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تكون في
الوسائل لا في ذات العبادات كمكبر الصوت الذي يعد وسيلة للتسميع في
الأماكن العامة.
الشرط
الثاني: أن يكون فيها مصلحة للمسلمين كمصلحة تسميع
صوت الإمام عبر مكبر الصوت في المسجد الكبير.
الشرط
الثالث: أن ينعدم دليل خاص على تحريم أو إباحة تلك
الوسيلة. فالمكبرات الصوتية لم يرد دليل خاص فيها.
وقد
ذهب أغلب الأصوليين إلى القول بحجية المصلحة المرسلة، لما رأوه فيها
من مراعاة لمقصد التيسير على الناس واعتبار مصالحهم وصلاح الدين لكل زمان
ومكان، قال الله تعالى:﴿ يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾[61] وقال أيضا :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾[62] . وقال النبي
(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا."[63]
وقالت عائشة رضي الله عنها: " ما خُيّـر النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بين أمرين اثنين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما"[64].
9.3 العرف
يعني العرف في اصطلاح
الأصوليين كل ما اعتاد الناس عليه ولم يخالف الشرع الإسلامي، فالعرف
المخالف للشرع يعد فاسدا ويجب رده، ومثال العرف الصحيح: يقصد بكلمة اللحم
في اللغة كلا نوعيه من أبيض كلحم السمك وأحمر كلحم البقر، غير أن الناس اصطلحوا
على أن المقصود باللحم هو اللحم الأحمر، لذا ذهب الفقهاء إلى أن من حلف أن لا يأكل
لحما وأكل سمكا لا يعد حانثا لأن العرف يقدم في الشرع على اللغة.
وأما الدليل على أن العرف من الأصول الشرعية قولُ الله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾[65] وقد استمد العلماء قواعد فقهية من استقراءهم لنصوص الشريعة تدل على اعتبار العرف مثل قولهم: "العادة شريعة محكَّمة" وقولهم: "الثابت بالعرف ثابت بالنص" .
10.3 شرع من قبلنا
هو
اتباع شرع الأنبياء قبلنا إذا أقره الإسلام. فالشريعة الإسلامية أتت ناسخة للشرائع
قبلها، غير أنها استثنت بعضها من النسخ، وذلك بتحقق شرطين: الشرط الأول أن
تكون في كتاب الله تعالى أوسنة رسوله، فالأحكام التي جاءت في كتب أهل الكتاب بعد
بعثة النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) تعتبر لاغية بإجماع علماء المسلمين، قال
النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : " ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا
تكذبوهم"[66]. الشرط
الثاني أن يقرها الإسلام بصريح العبارة كقوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[67]، أو بسكوته
عنها مثل قوله تعالى عن التوراة: ﴿وَكَتَبْنَا
عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ
بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾[68].
وأما
الدليل على حجية شرع من قبلنا فنجده في قول الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ
الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا
بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا
فِيهِ﴾[69].وقال
سبحانه وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾[70]. ووجه
الاستدلال أنه سبحانه وتعالى يمح ما يشاء من الشرائع السابقة ويثبت في الإسلام ما
يشاء منها.
وقد عمل الصحابة وعلماء الإسلام بأصل سد الذرائع قطعا للوسائل المؤدية إلى الحرام، إذ ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قطع شجرة الرضوان، تلك الشجرة التي بايع الصحابة النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) تحتها ومنع الصلاة عندها سدا لذريعة نشوء الشرك عبر التبرك بها وإضفاء القدسية عليها. كما أفتى العلماء بتحريم كشف المرأة الحسناء للأجانب عن وجهها لما قد يؤدي إليه ذلك من افتتانهم بجمالها .
القسم الثاني: في الأحكام الشرعية
4.الحكم الشرعي
يعتبر الحكم الشرعي من أهم المباحث في علم أصول الفقه. ففيه يتم الفرز بين ما هو حلال وما هو حرام، بين ما هو واجب وما هو
مستحب وما إلى ذلك من الأحكام. فالتفريق بين الأحكام يسهل عملية الفهم والاستيعاب
لدى الدارس لهذا العلم. ويجدر التنبيه هنا إلى أن هذا الفرز لم يكن عند الصحابة
رضوان الله عليهم على الشكل الذي سنتعرف عليه في هذا الفصل، إنما كانوا يفهمونه من
محض طبيعتهم وحسهم الإيماني. ولم يقم علماء الأصول بإدراج هذه الأحكام تحت أقسام
معينة إلا بعد أن قل فهم الناس في أمور الشرع والتبس الأمر عليهم.
يفسر
الحكم في اللغة بالفصل يقال: "حكمت بين الخصمين" إذا فصلت
بينهما. وفي التعريف الأصولي هو الخطاب الشرعي الخاص بأفعال المكلفين[72]. فقول
الله تعالى: ﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾[73] خطاب
شرعي موجِّه لأفعال المكلفين
فيما
يتعلق بمعاملات البيوع والزواج وغيرها من المعاهدات.
وقد قسمه الأصوليون إلى صنفين: حكم تكليفي
وحكم وضعي.
1.4. الحكم التكليفي
هو ما دعى إليه الشرع وفيه مشقة على المكلفين
وينقسم بدوره إلى خمسة أحكام هي: الواجب
والمندوب والمباح والمحرم والمكروه.
1.1.4. حكم الواجب
يعني
الوجوب في اللغة السقوط قال الله تعالى : ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ
جُنُوبُهَا﴾[74] أي حتى إذا
سقطت الإبل بعد نحرها على الأرض. وفي التعريف الأصولي هو ما امر به الشرع من قبيل
الإلزام. فكل ما أمر الله به في شرعه يستدعي
وجوب فعله على المكلفين
ما دام لم يأت دليل يحوله إلى حكم آخر كالمباح أو المستحب، وسيأتي معنا تفصيل ذلك في فصل آخر بحول
الله.
ومثالنا على الواجب نجده في قول الله تعالى:
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[75] فالصلاة
واجبة على كل مسلم لأن الله امر جميع المسلمين بإقامتها، واما حكم ماهو واجب
فيثاب فاعله الذي امتثل للشرع ويأثم تاركه، ونقول امتثالا للشرع لتبيان وجوب توفر
نية التعبد لله بحيث أن الإنسان إذا صام وهو يبتغي بذلك تخفيض وزنه فإنه لا
يؤجر لأنه لم ينو التعبد لله: فقد قال الرسول
الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) :
"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه."[76] وقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ايضا: " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها."[77]
ويقسم الأصوليون الواجب إلى أنواع مختلفة
نذكر منها: الواجب العيني والكفائي والموسع والمضيق والمحدد والمخير.
1.1.1.4. الواجب العيني
هو
الذي يَلزم كل مسلم بالغ بشخصه فعلُه كإقام الصلاة، فإنها تجب على كل مسلم.
2.1.1.4. الواجب الكفائي
هو
الذي إذا قام به البعض سقط عن الباقين، كصلاة الجنازة مثلا، فإن صلاها مسلم واحد سقط
الإثم عن باقي المسلمين.
3.1.1.4. الواجب الموسع
هو
الذي له وقت أوسع من وقت فعله، كالصلاة فإن لها وقتا واسعا، فقد يمكن للمسلم أن يصليها في أول الوقت أو في منتصفه أو في
آخره،
4.1.1.4. الواجب المضيق
هو الذي لا يزيد وقته على مدة فعله كصوم شهر رمضان، فإنه لا يمكن
تأخيره.
4.1.1.4. الواجب المحدد
هو
الذي لا يمكن أن ينوب عنه واجب آخر غيره كشعيرة الحج، إذ أن الإنسان غير مخير بين الحج وعبادة
واجبة أخرى.
4.1.1.4. الواجب المخير
هو
الذي ينوب عنه واجب مثله ككفارة اليمين
مثلا، قال الله تعالى في معرض الحديث عنها:﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ
يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ
مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ﴾[78] فإذا حلف
الإنسان ولم يف، يكفر بإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو عِتق رقبة، فهو مخير في
هذه الأمور الثلاثة، فإن تعذر عليه ذلك فيجب عليه صيام ثلاثة أيام.
2.1.4. حكم المندوب
يعني الندب في اللغة الدعوة إلى شئ مهم[79]. وفي التعريف الأصولي هو ما أمر به الشرع على سبيل الأفضلية، فقد يدل عليه الأمر الذي صرفه الدليل من الوجوب إلى الاستحباب أو يأتي به فعل من أفعال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) . ومثالنا على الأمر نجده في قول النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : " صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال في الثالثة : لمن شاء "[80] فقوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) "لمن شاء!" فيه تحويل لأمر "صلوا!" من حكم الوجوب إلى حكم الاستحباب، حيث أن الأمر هنا صار يفيد التخيير. والمثال على الفعل: كان رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يصلي ركعتين خفيفتين في بيته قبل الصبح[81]. ففعله دل على استحباب صلاة ركعتين خفيفتين قبل صلاة الصبح، لأنه يستحب لنا الاقتداء بأفعاله، قال الله عز وجل: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾[82]. ومن أدلة الاستحباب ترغيب المؤمن في العمل بذكر الثواب والأجر، قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ"[83]، ركعتين قبل الصبح، وأربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء. وحكمه يثاب فاعله الذي امتثل للشرع و لا يأثم تاركه.
3.1.4. حكم المباح
المباح
في اللغة هو المأذون به، يقال: "أباح المؤلف نشر كتابه"، إذا أذن بنشره.
وفي التعريف الأصولي هو ما أمر به الشرع على سبيل التخيير، كأكل الطيبات
مثلا. فالأنسان مخير في ان يأكل ما أحله الله من الطعام،
قال الله عز وجل : ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾[84] كما أنه مخير
في الصيد، قال الله عز وجل : ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ
فَاصْطَادُوا﴾[85]، فقد أفاد
أمر الآية ﴿اصْطَادُوا﴾
إباحة الصيد للحاج في حال ما إذا تحلل من إحرامه، وحكم المباح لا يثاب فاعله ولا يأثم تاركه، إلا إذا قصد به التقـوي
على العبادة فإنه يؤجر، أما إذا قصد به التقـوي على معصية فإنه يأثم. فمثلا إذا
نمتَ باكرا وقصدت بذلك التقـوي على قيام الليل فإنك تؤجر على نومك، أما إذا نمت بالنهار
قصد السهر في الملاهي الليلية فإنك تأثم. وقد أدرج علماء الأصول المباح تحت الحكم
التكليفي رغم أنه ليس فيه مشقة تجاوزا وتسهيلا لضبطه على الطالب.
4.1.4. حكم المحرم
يعني المـحَرَّم في اللغة الممنوع . وفي التعريف الأصولي هو ما نهى عنه الشرع بشكل إلزامي ، فالنهي يفيد التحريم
حتى يصرفه دليل إلى الكراهة وسيأتي معنا تفصيل ذلك في موضعه. وقد يتضمن الخبر
النهي ، مثل ما جاء في قول الله تعالى ﴿ حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ
وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم
بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ
الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[86] ففعل "حرم
" يفيد وجوب ترك ما نهي عنه .المثال الثاني: قال النبي (صلى الله عليه وعلى
آله وسلم) : "لعن الله آكل الربا وموكلَه..."[87]
وحكم المـحَرَّم
"يثاب تاركه الذي امتثل للشرع و يأثم فاعله"، فمثلا إذا ترك الانسان شرب
الخمر طاعة لله فإنه يؤجر وإن شربه يأثم.
فائدة مهمة على الهامش
أوضح
الأصوليون بأن الوسائل تأخذ
حكم الغايات، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المندوب إلا
به فهو مندوب، وما لا يتم المحرم إلا به فهو محرم. وكمثال على الواجب نذكر هنا
الوضوء للصلاة، فهو في الأصل مستحب، لكنه يرقى إلى الوجوب لأن الصلاة لا تصح إلا
به فيأخذ حكمها، وأما ما هو مستحب كالسواك فيسن شراءه لأن هذه السنة النبوية لا
تتحقق إلا بالتوفر عليه. وأما مثال المحرم كبيع العنب لصانع الخمر فالخمر يصنع
بالعنب فيتحول حكم بيعه من الإباحة إلى التحريم.
5.1.4. حكم المكروه
ويعني
في اللغة المبغوض، وفي التعريف الأصولي هو ما نهى عنه الشرع نهيا غير
جازم، فالنهي يفيد في الاصل التحريم إلا إذا جاء دليل يحوله إلى الكراهة، ومثالنا
على ذلك: "نهى النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عن الشرب قائما"[88]،
لكن ثبت عنه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) انه شرب قائما من ماء زمزم، [89]وروي
أن عليا رضي الله عنه توضأ ثم قام فشرب من فضل وَضوءه، ثم قال: "إن أناسا
يتحرجون من الشرب قياما ولقد رأيت النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يشرب قائما"[90].
فقد دل فعل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) على جواز الشرب قائما لانه (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم) لا يفعل ما كان محرما، إنما شرب قائما ليبين للناس أن النهي
عن الشرب قائما هو نهي كراهة وليس نهيَ تحريم. وقد ذكر العلماء أن كل سنة مستحبة
يكره تركها، وتسمى عند العلماء بـ "كراهةِ خلافِ الأوْلى"، لأن الأولى
فعلُها. وحكم الكراهة يثاب تاركها الذي امتثل للشرع ولا يأثم فاعلها.
2.4. الحكم الوضعي
هو التوجيه الشرعي الذي يتضمن الصحيح والباطل والشرط والعلة والسبب والركن والمانع وغيرَ ذلك.
1.2.4. الصحيح
يعني
الصحيح في اللغة السليم من المرض. وفي التعريف
الأصولي هو ما توفرت فيه الشروط وانعدمت فيه الموانع، فعَقد الزواج
مثلا، لا يمكن ان يكون صحيحا إلا إذا توفر فيه رضى الزوجين، والصداق وحضور ولي
المرأة وحضور شاهدي عدل.
2.2.4. الباطل
الباطل
هو ضدُّ الصحيح ويرادفه الفاسد وتعريفه عند الأصوليين: "ما
توفر فيه مانع أو انعدم فيه شرط"، فإذا حج الإنسان ولم يقف بعرفة فحجه
باطل لأن الوقوف بعرفة من أركان الحج. وإذا تزوج الإنسان من غير ولي المرأة فزواجه
كذلك باطل.
3.2.4. الشرط
يعني
الشرط
في اللغة العلامة. قال الله تعالى متحدثا عن الساعة ﴿ فَقَدْ جَاءَ
أَشْرَاطُهَا ﴾[91] أي علاماتها.
و في التعريف الأصولي هو "الذي يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده
وجود و لا عدم"، فالوضوء من شروط الصلاة، فإذا صلى الإنسان
من غير وضوء، لزمه عدم صحة الصلاة، قال رسول الله
(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى
يتوضأ[92]،
وقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أيضا: "لا صلاة من غير طُهور"[93].
وإذا توضأ لا تلزمه الصلاة، فقد يتوضأ الإنسان ولا يصلي، وهذا هو معنى قولِ
الأصوليين: "ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم" ويكون الشرط خارج العمل،
فإن كان يدخل في مقدرة الإنسان يسمى شرط صحة كسَتر العورة في الصلاة
وتطهير مكان الصلاة من النجاسة واستقبال القبلة، وإن كان غير داخل في قدرة الإنسان
يسمى شرط وجوب كدخول وقت الصلاة لأن دخول وقتِها ليس بيد الذي يريد الصلاة.
4.2.4. العلة
تعني
العلة
في اللغة المرض، نقول "صار جارنا عليلا!" أي ظهر عليه المرض. وفي
التعريف الأصولي هي سبب تشريع الحكم، مثال : قال الله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ
مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين ﴾ [94]
فالعلة من خلق الله للجن والإنس هي تحقيق
العبودية له في الأرض، ومن سنة النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قَصْر
الصلاة الرباعية في السفر، فعلة قصر الصلاة هي السفر لما قد يكون فيه من مشقة على المسافر، ومقصد الشرع التيسير على
المكلفين، قال الله تعالى﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾[95].
5.2.4. السبب
يعرف السبب عند الأصوليين بـ :"الذي يلزم
من وجوده الوجود ومن عدمه العدم". فمن أسباب الإرث النكاح. فإذا توفر لزم أن
ترث الزوجة من الزوج أو الزوج من الزوجة ، وإذا انتفى بعدم زواجهما أصلا أو
طلاقهما انعدم حق الإرث.
6.2.4. الركن
يُعرَّف
الركن في اللغة بالعمود، يقال أركان البيت أي أعمدته التي تحمله. وفي التعريف
الأصولي هو الذي "يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم" ويتميز
على الشرط بدخوله في جسم العمل كأركان الصلاة. فإذا توفرت جميع أركان الصلاة
فالصلاة صحيحة، وإذا انعدم ركن واحد كالركوع أو السجود أو قراءةِ الفاتحة بطلت. فهذا
معنى قولِ الأصوليين "ويلزم
من عدمه العدم".
7.2.4. المانع
يعني المانع في اللغة الحاجز ـ يقال "منعني حائط الحديقة من القفز إلى داخلها" وفي التعريف الأصولي هو "الذي يلزم من وجوده العدم"، فمثلا الحيض يلزم من وجوده على المرأة تركُ الصلاة والصوم حتى تطهر، فقد لزم من وجوده عدم الصلاة والصوم.
القسم الثالث: في الكشف عن
الدلالات
5.دلالات الألفاظ العربية
تعتبر تعابير اللغة العربية وخاصة ما تعنيه ألفاظها من دلالات من أهم المباحث التي خصها علماء أصول الفقه بمتابعة واهتمام بالغين. ولأن القرآن والسنة عربيان، فلا يمكن للمجتهد أن يصل إلى مراد الله ورسوله إلا إذا كان فاهما للغة العربية عارفا بمعانيها، فقد أكد القرآن الكريم على عربية الوحي، حيث قال الله عز وجل في سورة الأحقاف: ﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ﴾[96] وقال سبحانه في سورة يوسف: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[97].
1.5.مكونات
الكلام العربي
يتكون
الكلام العربي من ثلاثة عناصر: اسم
وفعل وحرف. ونجد مثالا لذلك في الآية
الكريمة: ﴿ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾[98]. فـ "حتى"
حرف، و"يقول" فعل، و"الرسول" اسم.كما يمكن أن يتكون من حرف
واسمين كقول الله تعالى: ﴿ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ﴾[99]. فـ "إن"
حرف و"الله" اسم و"غني" اسم ثاني. وأقل ما يمكن أن يتكون منه الكلام
فعل واسم ، كقول العرب: "قم زيد". فـ "قم" فعل، و"زيد"
اسم، أو يتكون من اسمين مثل: "عمرُ قائمٌ". فـ "عمر" اسم و"قائمٌ"
اسم.
2.5.الخبر والإنشاء
ويقسم علماء المعاني الكلام العربي إلى نوعين: خبر
وإنشاء. الخبر هو كل قول يمكن أن يحتمل الصدق أو الكذب.
كقولك: "نحن الآن في المدرسة" فإن وافق هذا الخبر الواقع يكون صادقا،
وإن كان غير ذلك يكون كاذبا. وأما الانشاء فهو ما لا يحتمل الصدق ولا الكذب ويتضمن
كلا من:
-
الأمر وهو
طلب الفعل ممن هو أعلى لمن هو أسفل.
-
النهي وهو
طلب الترك.
-
الدعاء وهو
الطلب ممن هو أسفل إلى من هو أعلى.
-
الالتماس
وهو طلب شيء ممن هو مساوٍ.
-
الاستفهام وهو
طرح السؤال.
-
التمني وهو
طلب شيء بعيد المنال.
-
الرجاء
وهو طلب شيء قريب المنال.
-
العرض
وهو طلب شيء برفق ولطف.
-
التحضيض
وهو طلب شيء بشدة.
-
القسم
وهو الحلِف.
-
صيغ البيع
كقول البائع للمشتري: "بِعتُكَ هذه السلعة!"
3.5. الحقيقة والمجاز
ومن المسائل المهمة التي أولى لها كل من علماء المعاني وعلماء أصول الفقه اهتماما بالغا التمييزُ بين ما يقال حقيقة وما يقال مجازا، نظرا لارتباط الفرز بين هذين النوعين بالفهم الصحيح للنصوص الشرعية.
1.3.5 الحقيقة
الحقيقة هي موافقة المعنى لظاهر اللفظ فهي الأصل في الكلام العربي، مثال : قال الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾[100] فهذه الآية تفهم على حقيقتها التي تعني أن الله تعالى لا يقبل دينا آخر غير الإسلام.
2.3.5 المجاز
أما
المجاز فيعرَّف ب "صرف المعنى عن ظاهر اللفظ لقرينة رافقته"،
ونذكر منه بعض الأنواع.
النوع الأول: "مجاز
النقصان" ومثاله قول الله تعالى
على لسان إخوة النبي يوسف وهم يخاطبون أباهم يعقوب:
﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ
الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾[101]، فظاهر العبارة يفيد
أن على يعقوب سؤال جدران القرية لكن دلت القرينة العقلية على أن الجماد لا يمكننا سؤاله، فيكون المقصود واسأل أهل القرية.
النوع الثاني: "مجاز الزيادة" وهو أن
تأتي كلمة زائدة في الكلام يسميها
مفسرو القرآن بصلة الموصول كالكاف مثلا في قول الله تعالى : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[102]. فالكاف هنا زائدة والمقصود
منها: ليس مثلَه شيء.
النوع الثالث: "مجاز النقل"
وهو أن ينتقل اسم شيء لشيء ملازم له. ومثال ذلك: كان العرب يقضون حاجتهم في المكان
المنخفض ليستتروا، ودرجوا على تسمية ذلك المكان بالغائط. ومع
مرور الوقت أخذ الخارج من الانسان اسم الغائط.
النوع الرابع: "مجاز الاستعارة" وهو استعارة وصف للمبالغة يقال: رأيت أسدا على فرسه، والمعنى أني رأيت فارسا ذو هيبة وقوة كالأسد.
3.3.5 دلالة المشترك والمترادف
ومن الألفاظ العربية كثيرة التداول ما درج علماء اللغة على نعته ب "المشترك" و"المتاردف"، فالمشترك هو اللفظ الواحد الذي يتضمن عدة معان مختلفة مثل كلمة "عين" فهي تطلق علي "عين الانسان التي يبصر بها" أو العين الجارية بالماء، أو البئر، أو الشمس، أو البستان، أو الجاسوس، تقول العرب: " أرسل الحاكم عيونا على أعدائه" أي أرسل عليهم جواسيس تترصد تحركاتهم. وأما المترادف فهي الألفاظ المختلفة في البناء والمتقاربة في المعنى مثل المعرفة والعلم. فإن معناهما إدراك الشيء على حقيقته .
6. العام والخاص
ميز علماء أصول الفقه في استقرائهم للكتاب والسنة بين ألفاظ عامة وأخرى خاصة، بين ألفاظ مطلقة وأخرى مقيدة، ولقد استعانوا في ذلك بما وصلت إليه علوم اللغة من معارف وضوابط أضاءت لهم الكثير من متضمنات الألفاظ وأضفت عليها الوضوح المتسحق. لقد استطاعوا من خلال استقرائهم لأساليب العربية صياغة ضوابط وقواعد تساعد على الفهم الصحيح لمعاني القرآن الكريم والسنة النبوية وتسهل عملية استنباط الأحكام منهما.
1.6 العام
يفسر
العام في اللغة ب
"الشامل"، يقال "عم المطر البلد "، إذا شمل تساقطه كل البلد.
وفي التعريف الأصولي هو اللفظ المستغرق الشامل. مثل قول الله تعالى: "كل نفس ذائقةُ الموت"
فهذا التعبير القرآني شمل جميع النفوس بحتمية الموت. وقال
عز وجل: ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾[103] فالآية تفيد
إباحة جميع الأطعمة لبني إسرائيل. وقال تعالى أيضا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾[104] فهذه الآية أتت
كذلك عامة اللفظ لأن خطابها شمل جميع المؤمنين.
ونظرا
لما تحمله ألفاظ العموم من معاني تفصح عن مقصود الله ورسوله فقد أولى لها الأصوليون
الأهمية البالغة، فقاموا بتصنيفها وإبراز متضمناتها لكي ينفذ المجتهد إلى
مدلولاتها و يستعين بذلك على الفهم والاستنباط الصائب لأحكام الشرع. ونورد فيما
يلي عرضا لأكثرها استعمالاً:
·
لفظ "كُلّ"
الذي يعتبر من أقوى ألفاظ الجمع والعموم، قال الله تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ﴾[105]. ومعنى الآية
أن جميع ما على الأرض سيفنى إلا اللهُ سبحانه وتعالى.
·
لفظ "أيُّ".
قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾[106] والمقصود يا
جميع الناس اعبدوا ربكم.
·
لفظ "أينما"
الذي يفيد عموم المكان، قال الله عز وجل: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي
بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾[107].
·
لفظ "متى
" في عموم الزمان. قال الله عز وجل: ﴿ وَزُلْزِلُوا
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى
نَصْرُ اللَّهِ ﴾[108].
·
لفظ "
أل" للجنس أو للاستغراق، مثال " أل " للجنس ، قال الله تعالى﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾[109] أي جميع جنس
الانسان في النار إلا المؤمنين، ومثال الاستغراق: قال الله تعالى ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾[110] أي وأنتم
عاكفون في أي مسجد.
·
" النكرة
في سياق النفي أو النهي أو الشرط" مثال النفي، قال الله تعالى: ﴿ وَلمَ ْيَكُن لَهُ
كُفُوا أحَد﴾[111] أي ليس لله
مثيلٌ مطلقا، ومثال النهي : "لا تترك صلاة" أي لا تترك أي صلاة. ومثال
الشرط: قال رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "إذا دخل أحدكم
المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين!"[112]
فكلمة "ركعتين" أتت نكرة في سياق الشرط وتفيد عموم الصلاة سواء كانت
تحية المسجد أو ركعتي الوضوء أو ركعتي الفجر، فالمهم أن تشغل البقعة بالصلاة قبل
الجلوس.
·
لفظ "من"
للعاقل و لفظ "ما" لغير العاقل، قال الله عز وجل: ﴿ مَنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾[113] أي
كل مخلوق عاقل أطاع الرسول فقد أطاع الله، وقال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾[114] والمعنى
أن الله يملك كل ما يوجد في السماوات والأرض.
· والاسم الموصول كقوله تعالى ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[115].
2.6 الخاص
وأما الخاص فيعني عند الأصوليين اللفظ المـستثني لبعض أفراد العموم، فالعام يبقى على عمومه إلى أن يأتي دليل يستثني بعضه من شموله الذي كان عليه. مثل استثناء سرقة أقل من ربع دينار من حد السرقة. قال الله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما. فهذا الحكم العام استثنيَ منه السارق الذي سرق أقل من ربع دينار لقول النبي(صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "لا تقطع يد السارق في أقل من ربع دينار".
ويشترط في الخاص أن يكون أقل من نصف العموم، بحيث يجوز لنا القول:
"شارك الطلبة في الامتحانات إلا ربعَهُم" ولا يصح لنا أن نقول "
شارك الطلبة في الامتحانات إلا نصفَهم" أو " ثلثيهم" لأن المستثنى يجب أن يكون أقل من العموم.
أما
التخصيص بأداة "إلا " فمثاله: قال الله عز وجل متحدثا عن خصال المؤمنين:
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا
عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ ﴾[116] فهم
في عمومهم لا يجامعون امرأة إلا زوجاتهم، لأن آخر الآية دل على اختصاص الزوجة
بالإباحة. وأما التخصيص بالوصف، فمثاله قول الله عز وجل: ﴿ قَالَ الْمَلأُ
مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾[117] فقد اختص ملأُ
قوم فرعون بتوجيه الخطاب له دون عامة شعبه. وأما التخصيص بالشرط فمثاله قول النبي
(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم حل
الدمار عليكم"[118].فوقوع
الدمار مشروط بالتزيين المبالغ فيه للمصاحف والزخرفة الزائدة لجدران
المساجد لأن الإسراف منهي عنه. والإسلام يهتم بالجوهر لا بالشكل.أما تخصيص العقل
للنص فمثاله قول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ
كُلِّ شَيْءٍ ﴾[119] فقد افاد
العقل أنه سبحانه وتعالى لم يخلق نفسه. وأما التخصيص بالحس الذي هو السمع
والبصر، فمثاله قول الله تعالى: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا
تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾[120] فقد دل البصر
على أن الأرض والجبال لم يشملها التدمير.
وأما
التخصيص بالعرف وهو ما تعارف الناس عليه، فمثاله قول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي
عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي
عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ ﴾[121] فالدابة
في اللغة هي كل ما يدب على الأرض وقد خص عرف
الناس
نعت
الدابة بالحيوان الذي يمشي على أربع.
وأما
التخصيص بالنص فينقسم بدوره إلى: تخصيص القرآن للقرآن والقرآن للسنة والإجماع للقرآن
والقياس للقرآن ، والسنة للقرآن والسنة للسنة والإجماع للسنة والقياس للسنة.
1.6 تخصيص القرآن للقرآن
1.1.6 تخصيص السنة للقرآن
ونمثل على تخصيص السنة للقرآن بما جاء في القرآن الكريم من قول الله عز وجل :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ﴾[124] وقال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): " أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال "[125] فلا يجوز أكل الدم ولا الميتة باستثناء ما خصه هذا الحديث بالذكر.
2.1.6 تخصيص الإجماع للقرآن
3.1.6 تخصيص القياس للقرآن
ونمثل على تخصيص القياس للقرآن، بما جاء في القرآن الكريم من قول الله عز وجل: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾[127] وقد خلص العلماء إلى أن العبد الزاني يجلد خمسين قياسا على الأمَة. قال الله عز وجل: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾[128]
4.1.6 تخصيص القرآن للسنة
ونمثل
لتخصيص القرآن للسنة بقول النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): " لا يقبل
اللهُ صلاة أحدكم إذا احدث حتي يتوضأ"[129]
وقد خص القرآن الكريم المريض وفاقد الماء بإباحة التيمم، قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ
تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ
تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم
مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ
صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾[130].
5.1.6 تخصيص السنة للسنة
ونمثل
على تخصيص السنة للسنة، بقول النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "فيما سقت
السماء والانهار العشر، وفيما سقي بالنضح نصفُ العشر"[131]
فهذا الحديث عام أفاد وجوب إخراج الزكاة من الحبوب ولو في حبة واحدة، ثم
جاء حديث من السنة خص وجوب الزكاة فيما فوق مقدار خمسة أوسق من الحبوب، قال النبي
صلى الله وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق من الحبوب صدقة."[132]
6.1.6 تخصيص الإجماع للسنة
ونمثل
لتخصيص الإجماع للسنة، بقول النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "الماء
طَهور لا يُنْجِسُه شيء."[133]
وقد انعقد إجماع العلماء على أنه إذا أصابت الماء نجاسة ينجس إذا غيرت هذه الأخيرة
طعمه أو لونه أو رائحته.
7.1.6 تخصيص القياس للسنة
ونمثل على تخصيص القياس للسنة بقول النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم."[134] وقد قاس علماء الشرع العبد على الأمة فخلصوا إلى تخفيف الجلد عليه إلى النصف.
2.6 المُطـلـق والمُقَيَّد
1.2.6 المُطـلـق
يعني المطلق في اللغة المرسل وفي التعريف الأصولي: ما دل على ذات غير مقيدة بوصف. والفرق بين ما هو مطلق و ما هو عام جد دقيق، فالعام يفيد الشمول، بينما المطلق يفيد البدل: أقول مثلا: " أكرِم الطلبة" فكلمة "طلبة" المعرفة هنا ب "ال" لفظ عام يفيد وجوب شمول الكرم جميع الطلبة، أما فيما يخص المطلق فعمومه بَدَلي، أي إذا قلتُ "أكرم طالبا" فأعني بذلك إن أنتَ أكرمت طالبا واحدا فسيكون ذلك بدل جميع الطلبة. ونجد مثالا آخر على المطلق في قول الله تعالى متكلما عن كفارة اليمين:﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾[135]، فكلمة "رقبة" اتت في الآية مطلقة، لأنها غير مقيدة بوصف إضافي آخر كالإيمان أو الذكورية أو العمر وغيره من الأوصاف، لذا ذهب بعض العلماء إلى حد القول بجواز إعتاق العبد الكافر.
2.2.6 المُقيد
وأما المقيد في اللغة فمأخوذ من قول العرب: "قيد الرجل دابته" إذا ربطها، وفي التعريف الأصولي هو الوصف الذي يقيد مطلق الذات، فالمطلق يحمل دائما على المقيد، بحيث إذا ورد تقييد للإطلاق وجب ربط المطلق بالمقيد فلا يبقى المطلق على إطلاقه. قال الله تعالى في سورة الكوثر: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾[136] فهذه الآية أفادت جواز نحر جميعِ الأنعام لكن السنة قيدت الجواز بسن محدد للأضحية وسلامتها من الأمراض والعيوب، هكذا تفقد الآية إطلاقها بعد أن قيدتها أحاديث السنة. وقال الله عز وجل في كفارة القتل الخطأ: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾[137] كما نرى في الآية فالرقبة مقيدة بصفة الإيمان. وقال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "إذا سمعتم صياح الديكة بالليل فاسألوا الله من فضله فإنه رآى ملكا. وإذا سمعتم نهيق الحمار بالليل فاستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنه رآى شيطانا"[138]. فهذا الذكر مقيد بوصف الليل، فلا يجوز إطلاقه ليشمل النهار.
وقد يصادف أن تتعدد تقييدات المطلق في نص شرعي مثل ما نجد في سورة التحريم، قال الله تعالى: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾[139] فكلمة "أزواج" في هذه الآية أتت مطلقة قيدت بثمانية أوصاف متتالية. ولكي يكون بإمكاننا رد المطلق إلى المقيد يجب أن يتفق المطلق والمقيد في السبب والحكم أو يتفقا فى الحكم ويختلفا في السبب. وقد أجمع أهل العلم على أن المطلق لا يمكن أن يُرد إلى المقيد في حالة ما إذا اختلفا في الحكم واتفقا في السبب، أو في حالة اختلافهما في كل من الحكم والسبب. ولتوضيح ذلك نذكر هنا بعض الامثلة: المثال الأول على اتفاق المطلق والمقيد في السبب والحكم: سئل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عن قيام الليل، فأجاب (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "صلاة الليل مثنى مثنى حتى إذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة"[140]. وقد قَيَّد حديث عائشة عدد ركعات قيام الليل بإحدى عشْرة ركعة. قالت رضي الله عنها: "ما زاد النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) على إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره."[141] فالسبب الذي اتفق فيه كل من المطلق والمقيد هو صلاة قيام الليل، والحكم الذي اتفقا فيه هو استحباب قيام الليل. وأما مثالنا على اتفاق المطلق والمقيد في الحكم واختلافهما في السبب فنجده في قول الله تعالى في كفارة اليمين:﴿ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾[142] وقال سبحانه وتعالى في كفارة القتل الخطأ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾[143]، فالرقبة التي يلزم عتقها كفارة ًلليمين أتت في الآية مطلقة ثم قيدت بالإيمان مثلما قيدت به رقبة كفارة القتل الخطأ لأنهما اتفاقا في الحكم الذي هو وجوب العتق رغم اختلافهما في السبب الذي هو القتل الخطأ وعقد اليمين. وأما مثالنا على اتفاق السبب واختلاف الحكم فقد صح عن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أنه قال: "ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار"[144] وقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أيضا: "من جر إزاره من خيلاء[145] لا ينظر الله إليه يوم القيامة" فقد اتفق الحديثان في السبب الذي هو إطالة الإزار واختلفا في الحكم، فالحديث الأول نجد فيه تهديد المطيل إزاره بالنار والحديث الثاني يتضمن تهديد المتكبر المطيل إزاره بإعراض الله عنه يوم القيامة، ففيه عذاب زائد على المطيل ثوبه من غير تكبر فلا يقيد الحديث الأول بالكبر لاختلاف الحكم.
7. الأمر والنهي
1.7 الأمر
يعني الأمر
في اللغة الطلب. وفي تعريفه الأصولي "طلب إنجاز الفعل ممن هو أعلى
إلى من هو أدنى على سبيل الوجوب"، كطلب الله الإنفاق من عباده
، حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم ﴾[146] أو
طلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) التيسير على الناس وتبشيرَهم، قال: (صلى
الله عليه وآله وسلم): "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا"[147].
وإذا
أتى الأمر من شخص مساو يعد التماسا، كأن يطلب الموظف قَرْضاً من زميله. أما
إذا أتى من أسفل إلى أعلى فيسمى دعاء، كسؤال العبد ربه.
ويأتي الأمر في أساليب وصيغ كثيرة ومتنوعة نذكر فيما يلي أهمها:
· يأتي
الأمر في الغالب على صيغة "افعل!"،
مثل قول الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[148] و
مثل ما جاء في قول النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لهرقل ملك الروم: " اسلم
تسلم!"[149].
·
أو يأتي على
شكل جملة فعلية متضمنة لمعنى الأمر، مثل
قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[150] فالجملة
الفعلية: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ تتضمن معنى
أمر صيغته: صوموا كما صامت الأمم قبلكم.
·
أو يأتي على
شكل جملة اسمية متضمنة لمعنى الأمر،
مثل قولنا: "الصلاة
واجبة" فهذه الجملة الاسمية تقوم مقام فعل أمر تقديره "صلوا جميعَكم!".
·
أو يأتي فعلا
مضارعا مجزوما بلام الأمر، مثل ما نجد في قوله تعالى:﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[151].
· أو
يأتي
مصدرا ينوب عن الفعل ، مثل قوله تعالى: ﴿فَضَرْبَ
الرِّقَابِ﴾[152]. فهذا
المصدر ينوب عن فعل أمر تقديره: "اضْرِبُوا الرِّقَاب"
وكما
يفيد الأمر الوجوبَ يفيد أيضا المبادرة إلى تنفيذ
الطلب دون تراخ أو تأجيل، والدليل على ذلك قول الله تعالى:﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾[156]
وقوله عز وجل: ﴿فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ﴾[157]
وفي حديث للنبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أمر فيه الصحابة أن يحلقوا رؤوسهم و
ينحروا هديهم، فتثاقلوا! فدخل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) على زوجته أم
سلمة (رضي الله عنها) مغضبا، وحدثها بما وقع، فقالت له اذهب يا رسول الله احلق
رأسك وانحر هديك فسيتبعونك. فذهب الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فحلق رأسه
و نحر هديه فاتبعه
الصحابة"[158]
ويتضح من هذا الحديث أن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) غضب لتثاقل الصحابة في
الامتثال لأمره.
وإذا فعل المـكلف الأمر مرة
واحدة سقط عنه وجوب تكراره، حتى يأتي دليل يفيد ذلك كإقام الصلاة، فقد جاء
الدليل على وجوب أداءها
خمس
مرات في اليوم والليلة. والدليل على أن الأصل في الأمر فعلُه مرة واحدة
ثابت في سنة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقد سأله رجل أنحج كل عام يا
رسول الله، فغضب (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وقال: "لو قلت نعم لوجبت ولما
أطقتموها، ذروني ما تركتكم."[159]
وقد يتحول الأمر من الوجوب إلى الاستحباب
أو الإباحة إذا صرفه دليل إلى ذلك ، قال الله تعالى في سورة الكوثر:
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[160] فالأمر بذبح
الأضحية يوم العيد يفيد الاستحباب عند جمهور الصحابة، ودليل ذلك نجده في قول النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم): " إِذَا
رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ
يُضَحِّيَ ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ" [161]، ففعل "أراد" أفاد تخيير المكلف بين نحر الأضحية أو عدم
نحرها على عكس الواجب الذي لا تخيير فيه.
ومن الحجج الدالة على الاستحباب ترك
النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فعلَ ما سبق له الأمرُ به لأنه (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم) لا يَترك واجبا. قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "إِذَا
صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا"[162]
وقد
تحول هذا الأمر من الدلالة على الوجوب إلى الدلالة على الاستحباب حين تخلى (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم) عن السترة في حَجة الوداع، والأصل في ذلك نجده في
حديث رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "اقبلت
راكبا على حمار اتان وانا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله (صلى الله عليه و آله
وسلم) يصلى بمنى إلى غير جدار وفي رواية البزار يصلى إلى غير سترة"[163].
ومن الأمثلة الدالة على تحول الأمر من الوجوب
إلى الإباحة قول الله
عز وجل: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾[164]، والدليل أن
أصل الصيد مباح ثم حرم على المـحْـرِم وقت إحرامه، فإذا تحلل من إحرامه
يعود الصيد إلى أصله الذي هو الإباحة. وعلى هذا يُحمل فهم الأمر في الآية.
2.7 النهي
·
ويأتي في
الغالب على صيغة "لا تفعل!" قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ
مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ﴾[168] وقال سبحانه
وتعالى:﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾[169] وقال أيضا: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾[170].
· أويأتي بلفظ التحريم، مثل قوله تعالى:
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ...﴾[171] وقوله تعالى:﴿حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾[172] .
·
أو يأتي بلفظ
"نهينا"، عن المقدام رضي الله عنه قال: "نُهينا عن
لبس جلود السباع وافتراشها."[173]
وقال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "إن الله ينهاكم أن
تحلفوا بآبائكم"[174].
·
أو يأتي نافيا
للجواز، مثل قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ
أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾[175]وقوله تعالى:﴿الطَّلاقُ
مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ
يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ
أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾[176]
· أو يأتي على صيغة أمر يفيد الترك:
قال
الله تعالى:
﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ
الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾[177] وقال
سبحانه وتعالى:
﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ
الزُّورِ﴾[178].
ويسمى
النهي نهياً إن كان ممن هو أعلى لمن هو اسفل كنهي الله عباده عن أكل الربا،
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا
أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[179]، أما إن كان
من مساو فيسمى التماسا، كطلب التاجر من زميله عدم رفع سعر السلعة وإن كان ممن هو
أسفل فيسمى دعاء أو سؤالا كسؤال العبد ربه، قال الله تعالى على لسان عباده
المؤمنين:﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا
وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا
رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾
[180]
ويفيد
النهي في الأصل التحريم حتى يأتي دليل يصرفه إلى الكراهة، قال الله عز وجل
:﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾[181]، فالنهى هنا
أفاد تحريم التكبر والافتخار في الارض.
وأما نهي الكراهة فنجده في قول النبي (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم) "لا تغتسل المرأة من فضل الرجل ولا يغتسل
الرجل من فضل المرأة، وليغترفا جميعا"[182].
وفي حديث آخر: "دخل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) على ميمونة فوجد
عندها ماء فاغتسل منه، فقالت يا رسول الله اغتسلت منه وانا جنب، فقال (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم) إن الماء لا يَجنُب"[183].
فدل فعله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن النهي في الحديث الأول للكراهة، لأنه (صلى
الله عليه وآله وسلم) لا يفعل حراما.
ومثال شرط العمل: نهى الشرع عن الصلاة بغير وضوء لأنه
من شروطها، قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): "لا صلاة من غير
طُهور"[185]
فإذا لم يتوضإ الإنسان فسدت صلاته.
ومثال
ركن العمل: نهى الشرع عن ترك قراءة الفاتحة في الصلاة، فالصلاة من غير قراءتها
فاسدة.
ويمثل
العلماء للوصف اللازم بالصلاة في الأرض المغصوبة، فالأرض المغصوبة وصف
لازم للصلاة، ونهى الشرع عن غصب الأرض. قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله
وسلم): "من اقتطع شبر أرض ظلما وعدوانا طوق يوم القيامة بسبع اراضين"[186].
فالصلاة في أي ارض مغصوبة كانت لا تصح. وذهب بعض العلماء إلى أن مثل هذا الوصف
اللازم لا يقتضي فساد العمل لأن الأرض ليست من شروط الصلاة ولا من أركانها
فموضع الصلاة مستقل عنها. إنما يعود فساد العمل إلى فعل الغصب وهذا هو
القول الراجح والله تعالى أعلم. وقد قيد الله النهي بالضرورة، فلا تحريم مع اضطرار
ولا يجوز التوسع فيه لأن الضرورة تقدر بقدرها. مثال: سافر انسان وسط صحراء قاحلة
فقاسى العطش حتى كاد أن يهلِك، فبحث بلهفة عن شراب ليرتوي منه فلم يجد سوى خمرا،
في هذه الحالة يجوز له أن يشرب الخمر على القدر الذي يبقيه حيا. قال الله عز وجل:﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ
وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ
اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ﴾[187].
8. الدلالات الشرعية ومراتب الاستدلال بها
تعد
الدلالات الشرعية من أهم مباحث علم أصول
الفقه لما لها من علاقة وطيدة بدلالات ألفاظ اللغة ولمكانتها المتميزة في عملية استنباط الأحكام حيث غالبا ما يتم من
خلالها الوصول إلى مراد الله تعالى. وتنقسم إلى دلالات معتبرة يستدل بها، وأخرى
ضعيفة لا يستدل بها. الدلالات المعتبرة هي النص، والظاهر، والمبيِّن،
والمنطوق، ومفهوم المخالفة، ومفهوم الموافقة، ودلالة الإشارة، ودلالة الاقتضاء،
ودلالة الإيماء، وأما الدلالات الضعيفة فهي المؤول والمجمل. وسنتناول
فيما يلي بالعرض كل هذه الدلالات حسب الترتيب التالي: النص، والظاهر، والمؤول،
والمجمل، والمبيِّن، ودلالة الإشارة، ودلالة الاقتضاء، ودلالة الإيماء، والمنطوق،
ومفهوم المخالفة، ومفهوم الموافقة.
1.8 النص
يعني النص في اللغة الشيء الظاهر لوضوحه وبيانه، أما في تعريفه[188] الأصولي فهو الدلالة الشرعية التي لا تحتمل إلا معنى واحدا، مثل ما جاء في كتاب الله عز وجل: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾[189]. فهذه الجملة القرآنية تعتبر نصـا لأنها أفادت معنى واحدا وهو أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول مبعوث من الله لهداية الناس أجمعين، لذا يعد النص لدى الأصوليين من أعلى مراتب الاستدلال في الشرع.
2.8 الظاهر والمؤول
يعني الظاهر في اللغة الواضح،
نقول: "ظهر القمر"، أي تراءى
في السماء ووضحت هيأته. وفي التعريف الأصولي هو الدلالة الشرعية المتضمة
لمعنى راجح. ويأتي من حيث قوة الاستدلال به في المرتبة الثانية بعد النص.
وأما
المُؤَوَّل فيعني في اللغة المُفَسَّرُ، وفي التعريف الأصولي هو الدلالة
الشرعية التي تحتمل معنى مرجوحا. ونقصد بالمرجوح الاحتمال الأقل
وروداً في الدليل حتى أنه لا يستدل به نظرا لضعف حجيته. ومثالنا على الظاهروالمؤول
نورده كالتالي:
"جاء
رجل إلى النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ، فقال يا رسول الله:
أأتوضأ
من لحم الغنم
؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ ، قال : أأتوضأ من لحم الإبل ؟ قال : نعم فتوضأ من لحم الإبل(...)" [190]
فالوضوء
في هذا الحديث يمكن
أن يفهم على وجهين، أحدهما الوضوء الشرعي وهو الظاهر من النص، حيث
نرجح في فهمنا حقيقة الوضوء الشرعية على حقيقته اللغوية. أما الوجه
الثاني الذي هو المُؤَوَّل فنفهم منه الوضوء
اللغوي، ويعني غَسل اليدين قصد تنظيفهما.
ويستدل
في العادة بـالظاهر بدل الـمُـؤَوَّل، إلا إذا جاء دليل خارجي رجح الـمُؤَوَّل
على الظاهرِ فعندئذ يصير الـمُؤَوَّل ظاهرا والظاهر مُؤَوَّلاً. ومثال ذلك نجده في
الآية الكريمة: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[191]. فظاهر
اليقين هو العلم، فيكون مدلول الآية: اعبد ربك يا محمد حتى يأتيك العلم، ومُؤَوله
الموت، حيث
أن الإنسان إذا مات استيقن بالآخرة، وقد أجمع العلماء على ترجيح هذا المعنى
فصار تفسير اليقين بالموت هو الظاهر وتفسيره بالعلم هو الـمُؤَوَّل.
3.8 المجمل
وأما
المُجْمَل فمعناه في اللغة المجموع، وفي التعريف الأصولي
هو الدلالة الشرعية
التي
احتملت معنيين متساويين أو تلك التي افتقرت إلى البيان،
وله ثلاثة أسباب: السبب الأول هو عدم معرفة المراد منه لتوفر تساو بين
المعاني المتضمنة فيه، ومثاله نجده في سورة البقرة حيث قال الله تعالى:﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾[192] فكلمة
"قروء" التي هي جمع لـ "قُرْء"
تفيد في اللغة معنيين متساويين هما حيضة المرأة وطهرها.
السبب الثاني عدم
معرفة الوصف، مثل ما جاء في سورة البقرة حيث قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ ﴾[193]،
ففي هذه الآية لا نجد وصفا لكيفية إقامة الصلاة.
السبب الثالث عدم معرفة القَدْر، ومثاله نجده في
قول الله تعالى:﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ
﴾[194]،
فهذه الآية لم تفصح عن قدر الزكاة ولا عن قدر المال الذي تُخرج منه.
ولا
يستدل بالمجمل في الشرع لأننا لا نعرف المقصود منه، لذا لا يقر الأصوليون
بالاستدلال به لأن القاعدة عندهم تقول: "ما تطرق إليه الاحتمال بطَل به
الاستدلال".
4.8 المـبـيـن
وأما
المـبـيـن فمعناه في اللغة الـمُـوَضِّح والـمُفَسِّر، وفي التعريف
الاصولي هو الدلالة الشرعية المفسِّرَة للمجمل، ومثال
ذلك نجده في قول الله تعالى:﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾[195]،
فالخسارة فى هذه الآية مبهمة لكن الله تعالى بينها في سورة أخرى
فقال: ﴿ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ
خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾[196].
ويُسْتَدَلُّ بالمـبـيـن في الشرع لأنه واضح الدلالة فهو يراوح بين أن يأتي نصا أو يأتي ظاهرا.
5.8 دلالة الإشارة
وأما دلالة الإشارة فهي المعنى التابع للمقصود من النص. مثال: قال الله تعالى :﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[197]، فمقصود الدليل وجوب سؤال الناس العلماء عن أمور دينهم، والمعنى التابع له وجوب طلب العلم لأن بطلبه يكثر العلماء في الأمة ويعم الخير.
6.8 دلالة الاقتضاء
وأما دلالة الاقتضاء فهي اللفظ المقدر الذي لولاه لما استقام معنى النص. ومثاله: قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): " رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "[198] فقد أفاد النص عصمة الأمة الإسلامية من الخطأ والنسيان والإكراه على إتيان المحرم، وهذا لا يستقيم لمخالفته الواقع والأدلة والإجماع ، لذا وجب تقدير لفظ "رُفِع عن أمتي إثم" الخطأ والنسيان والإكراه.
7.8 دلالة الإيماء
وأما
دلالة الإيماء فهي الوصف الذي لولاه لما كان للدليل معنى. ومثاله: قال الله
تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ
عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾[199] فوصف التقوى
سبب لدخول الجنة، فلولاه لما كان للجنة معنى.
8.8 المـنطوق ومـفهوم المخالفة
ومفهوم الموافقة
وينقسم إلى قسمين: القسم الأول واضح الدلالة ويتضمن النص والظاهر والمـبـيـن. القسم الثاني خفي الدلالة ويتضمن دلالة الإشارة ودلالة الإقتضاء ودلالة الأيماء.
ومفهوم المخالفة هو المسكوت عنه المخالف للمنطوق، وكلاهما يصلح للاستدلال، إلَّا أن المنطوق أقوى في الحجية من المفهوم، والمثال على ذلك نجده في قول النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) " من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة "[200] فمنطوق هذا الحديث يفيد أن الإنسان إذا ما أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك صلاة الجماعة، ومفهومه: من لم يدرك ركعة من صلاة الجماعة، لم يدرك الجماعة.
ومثال آخر:"اغتسل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عند ميمونة رضي الله عنها فأتته بخرقة فردها عليها"[201] فمنطوق النص أن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لم ينشف الغسل، ومفهومه أن من عادته التنشيف لأن ميمونة أتته بالخرقة.
وأما مفهوم الموافقة فهو الحكم المسكوت عنه الموافق للمنطوق ويماثل المنطوق في الحجية، ومثاله قول الله تعالى في سورة النساء: ﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾[202] فمنطوق هذه الآية تحريم أكل أموال اليتامى ومفهوم الموافقة فيها تحريم إتلافها أو إحراقها لأن ذلك يوازي أكلها بالباطل.
9.الناسخ والمنسوخ
يولي
علماء أصول الفقه لمبحث الناسخ والمنسوخ اهتماما خاصا. فهو من مجالات التشريع في الإسلام التي
نجد فيها اعتبارا للواقع عند تنزيل الأحكام، ولا يمكن للمجتهد أن يغفل عنه
لأن عدم الإحاطة به قد تُوقع في تقرير أحكام بطل العمل بها فيما قبل.
قال الله تعالى في سورة البقرة:
﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا
أَوْ مِثْلِهَا ﴾[203] وقال عز وجل في
سورة النحل:
﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قُلْ
نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾[204] وقال
تعالى
في سورة آل عمران:
﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا
حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾[205]، فقد نسخت
التوراة حكم إباحة أطعمة معينة لبني اسرائيل بتحريمها عليهم. قال الله
تعالى في سورة الرعد: ﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ
الْكِتَابِ ﴾[206].
والـحكمة من وراء النسخ هي التخفيف
على المسلمين وإنزال الحكم اللائق بهم. لقد أبقى الإسلام في أول عهده على إباحة
الخمر لأنه كان من عادة العرب شربه، فلما رسخ الإيمان في قلوب المسلمين وانتشر
دينهم، حرمه الله عليهم لما قد يترتب عن شربه من مفاسد مجتمعية وأمراض عضوية
ونفسية عديدة، فجاء حكم تحريمه مناسبا للأمة الإسلامية وداعما لصلاحها. لذا
استجاب له المسلمون
وافرغوا ما كان عندهم من خمور. فربما لو كان التحريم من أول ظهور الإسلام لما لقي
استجابة لدى الناس لأنهم لا زالوا حديثي عهد به كدين.
الشرط الأول: ورود تعارض فيما تعنيه نصوص الناسخ
والمنسوخ. فنصوص الشرع في أصلها لا تتعارض، إنما يتشكل تعارضعها من فهمنا
الخاص لها بسبب عدم توفر ما يكفي من الأدلة لتصحيح وتقويم ما فهمناه منها. ولكي
يتضح ذلك نورد المثال التالي: عن طَلْق بن علي (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله
عليه وعلى آله وسلم) سُئل عن الرجل يمَس ذكره هل ينتقض وضوؤه؟ فأجاب (صلى الله
عليه وعلى آله وسلم): "هل هو إلا بُضعة منه؟"[207]
فهذا الحديث أفاد أن مس الإنسان ذكَره لا يعد من نواقض الوضوء، لكنه يتعارض مع حديث بُسرة بنت صفوان (رضي الله عنها) التي قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله
وسلم): "إذا مس أحدُكم ذكره فليتوضأ"[208].
فوجه التعارض بين نصي الحديثين يظهر في أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله
وسلم) أخبر في الحديث الأول أن مس الذكر ليس من نواقض الوضوء، بينما أمر في الحديث
الثاني بالوضوء بعد مس الذكر. وقد خلص بعض العلماء إلى أن حديث بسرة ناسخ
لحديث طَلْق بن علي، لأنه أتى من حيث توقيته الزمني بعد حديث طَلْق، واللاحق ينسخ
السابق كما سبق توضيحه.
الشرط الثاني: تعذر تحقيق الجمع والموائمة بين معنيين وردا في الناسخ والمنسوخ. فمثلا نجد في بعض الآيات جواز شرب الخمر، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾[209] وفي بعض الآيات تحريم شربها، قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[210]، فالجواز والتحريم حكمان متناقضان لا يمكن الجمع بينهما.
الشرط الثالث: معرفة المجتهد بتاريخ نزول الناسخ والمنسوخ، لأن
الناسخ يأتي بعد الدليل المنسوخ.
ومثال ذلك: عن علي رضي الله قال: "كان النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يقوم
للجنائز ثم تركه"[211]. فقيامه (صلى الله عليه
وعلى آله وسلم) للجنازة نُسخ بتركه فيما بعد.
والناسخ قول علي (رضي الله) "ثم تركه"، فلفظ "ثم"
يُفيد نزول حكم ترك القيام بعد حكم استحباب القيام للجنازة.
أقسام النسخ
وقد قسم علماء الأصول النسخ إلى اربعة أقسام:
·
نسخ القرآن
للقرآن.
·
نسخ السنة
للقرآن.
·
نسخ القرآن
للسنة.
· نسخ السنة للسنة.
وأما
الإجماع والقياس فهما لا يُنسَخان ولا يَـنْسِخان.كما لا يمكن للعقيدة الإسلامية والأخبار
كقصص الأنبياء وأقوامهم أن تنسخ.
9. 1. نسخ القرآن للقرآن
قسم الأصوليون نسخ القرآن للقرآن إلى ثلاثة
أقسام:
·
القسم الأول: ما
نسخ حكمه ورسمه.
·
القسم الثاني:
ما نسخ حكمه وبقي رسمه.
·
القسم الثالث: ما نسخ رسمه وبقي حكمه.
ومثالنا على ما نسخ حكمه ورسمه نجده في كتاب الله تعالى الذي احتوى على آية تصرح أن عشر رَضَعَات يُـحَرِّمن فأمر النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أن تمحى من القرآن وتعوض بخمس رضَعَات يُـحَرِّمن.[212]
أما مثالنا على ما نسخ حكمه وبقي رسمه فنجده في قول الله تعالى في سورة النحل:﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ
النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾[213]. فقد كان حكم
السكر في الأول الإباحة ثم نسخ بعد ذلك بقول
الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[214]. وبقي رسم
الآية المنسوخة في
المصحف لتُتلى ويعتبر بها الناس.
وأما مثالنا
على ما نسخ رسمه وبقي حكمه فنجده في حديث عن عمر رضي الله عنه ذكر
فيه آية أُزيل لفظها من القرآن الكريم وبقي حكمها الذي أوجب رجم الزاني المتزوج .
قال رضي الله عنه: كان في كتاب الله تعالى:
"الشيخ
والشيخة فارجموهما البتة، بما فرغا من اللذة".
9. 2. نسخ السنة للقرآن
أما فيما يخص نسخ السنة للقرآن فقد خلص
طائفة من العلماء إلى استحالته لأن الناسخ يكون أقوى ثبوتا[215]
من المنسوخ، والقرآن أقوى ثبوتا من السنة، لذا يستحيل نسخ السنة له. وذهب
بعض العلماء إلى ان السنة تنسخ القرآن الكريم لأنها وحي مثله، فكما ينسخ القرآن
السنة، فالسنة هي الأخرى تنسخ القرآن على الرغم
من افتقاد مثال حقيقي يوضح ذلك، واستدلوا بقول
النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "ألا إني أوتيت القرآن ومثله
معه!"[216].
9. 3. نسخ القرآن للسنة
وأما نسخ القرآن للسنة، فنجد دليلا عليه في حديث مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال فيه:"كان الصوم في أول الأمر من العشاء إلى المغرب."[217] ثم نُسخت هذه السنة بقول الله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾[218] فخفف وقت الصيام بفضل الله ورحمته من الفجر إلى المغرب.
9. 4. نسخ السنة للسنة
ومثالنا على نسخ السنة للسنة: قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكر الآخرة."[219] فقد كانت زيارة القبور في أول الأمر مباحة، ثم حرمت لسد باب الشرك والنياحة، فلما قوي الإيمان في قلوب الصحابة واستوعبوا عقيدة الإسلام، أباح لهم النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) زيارة القبور لما في ذلك من تذكرة وموعظة.
10.أفعال النبي (صلى الله عليه وسلم)
يفرد
علماء أصول الفقه لأفعال النبي (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم) مبحثا خاصا في
كتبهم لما لها من أهمية في الـتشريع حيث أنها
تمثل جزءاً من سنته (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) التي هي الأصل الثاني من أصول
الشرع، فيكون إفرادهم لهذا المبحث من
باب ذكر ما هو خاص بعد العام نظرا لمكانته، فالتشريع في الإسلام
كثيرا ما ينبني على أفعاله
(صلى الله عليه وآله وسلم) وأقواله وتقريراته.
ولقد
قسم علماء أصول الفقه أفعال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إلى صنفين:
·
صنف يتحدد
في أفعال أتاها النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بدافع التعبد لله والتقرب
إليه.
·
والصنف الآخر يتمثل
في أفعال النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) الجِـبلِّيَّة، التي كان يعملها (صلى الله عليه وعلى
آله وسلم) من محض إرادته وعادته، كطريقة مشيته وما اعتاد على حب أكله من طعام وشراب.
فيما
يخص أفعال الصنف الأول فنحن مأمورون باتباع النبي (صلى الله عليه وعلى آله
وسلم) فيها، حيث
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا ﴾[220] وقال تعالى:﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾[221] وقال سبحانه
أيضا:﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ
كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾[222] وقد ذهب جمهور
العلماء، إلى ان أفعاله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) تقتضي الاستحباب
لاتفاق نصوص الشرع على ذلك، مثال: "كان الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)
يصلى اربع ركعات في وقت الضحى"[223]،
فـأفاد فعله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) استحباب أداء صلاة الضحى، وقد يتحول الفعل من الاستحباب إلى
الوجوب أو التحريم أو الكراهة إذا ما رافقه دليل يستدعي ذلك.
ومثالنا
على الوجوب ندرجه
كالتالي:
ثبث عن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أنه
كان يحافظ على صلاة العيد فجاء دليل صرفها من الاستحباب إلى الوجوب حيث
أنه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) صلى بالناس العيد يوم الجمعة ثم قال:
"يأيها الناس إنا لمجمعون، فمن أراد أن يصلي معنا الجمعة فليصل ومن لم يُرد
فلا شيء عليه"[224]
فقد دل هذا الحديث على وجوب أداء صلاة
العيد لأنها رفعت وجوب صلاة الجمعة ولا يرفع حكم الواجب
إلا واجب مثله.
ومثال التحريم:
كان الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يجمع بين تسع نساء حيث أباح له القرآن
ذلك، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّلاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾[225] لكن الشرع
حرم على غيره من المسلمين الجمع بين أكثر من أربع نساء، قال الله تعالى:
﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ
وَرُبَاعَ ﴾[226] وفي الحديث
"جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله إني جمعت
بين ثمان نساء في الجاهلية، فأمره (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أن يطلق أربع."[227]
وقد انعقد اجماع العلماء على هذا الحكم.
وأما
مثال الكراهة: "دخل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) على ميمونة فوجد
عندها ماء فاغتسل منه، فقالت يا رسول الله اغتسلت منه وانا جُنُب، فقال
(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إن الماء لا يَجنُب"[228]
ففعل اغتساله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من فضل ميمونة مكروه لنهيه (صلى الله
عليه وعلى آله وسلم) عن اغتسال الرجل من فضل المرأة، والحكمة من فعله بيان أن نهيه
(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ليس للتحريم لأنه لا يفعل محرما. قال (صلى الله
عليه وعلى آله وسلم): "لا تغتسل المرأة من فضل الرجل ولا
يغتسل الرجل من فضل المرأة، وليغترفا جميعا".[229]
أما الصنف الثاني الذي هو أفعال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) الجبلية فهي تفيد الإباحة باتفاق جمهور العلماء والمثال عليها نجده في الحديث الصحيح :"كان النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يحب الحلوى والعسل"[230]، فقد أفاد فعله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إباحة حب الحلوى والعسل بناء على القاعدة التي ذكرناها.
11. المسالك الأصولية عند تعارض ظواهر النصوص
ومن
مفاتيح علم أصول الفقه معرفة المسالك التي يمكن للمجتهد انتهاجها حينما
يواجه تعارضا ظاهرا بين النصوص. لقد اشار علماء الأصول إلى
أن مضامين نصوص الشرع لا يمكن لها أن تتعارض لانها وحي من الله، إنما يتشكل
تعارضها بسبب افتقاد الأدلة
اللازمة لفضه أو كنتيجة لقصور يحصل في القراءة أو الفهم.
فالمسلك الأول هو الجمع بين النصوص، ومعناه
الأخذ بجميعها وذلك بقراءتها وفهمها على أوجه يقبل بعضها بعضا، ومثال ذلك:
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) : "إذا أتى أحدُكم الغائط فلا
يستقبل القبلة ولا يولها ظهره"[231].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كنت على ظهر بيت لنا فرأيت النبي (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم) على لبنتين لحاجته مستقبل الكعبة"[232].
فحديث أبي أيوب يدل على تحريم استقبال القبلة في الفضاء، أما حديث عبد الله
بن عمر رضي الله عنهما فيحمل على جواز ذلك في البنيان.
مثال آخر: قال النبي (صلى الله عليه وعلى
آله وسلم) :" إذا أم[233]
أحدكم الناس فلا يخُص نفسه بالدعاء!"[234]
وقد
ثبت عن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أنه كان بين السجدتين يقول: "رب
اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني"[235].
فالجمع بين النصين يعني فهم الحديث الأول على عدم جواز الاختصاص بدعاء القنوت
جهرا في صلاة الجماعة لما قد يتبع ذلك من تأمين الناس عليه.
أما
إن كان الدعاء سِرِّيا فلا بأس أن يخص به الإمام نفسه، فإن تعذر مثل هذا الجمع وهو
أمر نادر الحصول فإننا نلجأ إلى المسلك الثاني الذي هو
النسخ إن ثبت عندنا تاريخ المتقدم والمتأخر الذي هو الناسخ، فإن
تعذر ذلك نلجأ إلى المسلك الثالث الذي هو
مسلك الترجيح ويعني الأخذَ بدليل وإهمال آخر لقرينة. ومن قرائن الترجيح نذكر ما يلي:
القرينة الأولى: تقديم القول
على الفعل لأن الفعل يمكن أن يكون مخصوصا بفرد أو
جماعة، ومثال ذلك نجده في قول النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم):
"فخذ الرجل عورة!"[236]
وفي حديث آخر مروي عن أنس رضي الله عنه قال: "رأيت فخذ النبي (صلى الله عليه
وعلى آله وسلم) "[237].
فقد رجح الكثير من العلماء الحديث الأول على الثاني لأن
القول في الاهتداء إلى الأحكام مقدم على الفعل.
القرينة
الثانية: القول المـثـبِت
للشهادة مقدم على القول النافي لها لأن القائل رأى ما لم ير النافي. فعن
عائشة رضي الله عنها قالت: "من حدثكم أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)
بال قائما فقد كذب"[238].
وعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) أنه رأى النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يبول
قائما[239].
فحديثه يقدم في الاستدلال على
حديث
عائشة لأنه رأى ما لم تر.
القرينة
الثالثة: تقديم
قول الصحابي الأعلم بحال رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) على غيره من
الصحابة،
ومثال ذلك: عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال" تزوج النبي (صلى الله عليه
وعلى آله وسلم) ميمونة وهو محرم"[240].
وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: "تزوجني النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)
وهو حلال"[241].
فحديثها يُقَدَّمُ على حديث ابن عباس لأنها اعلم بحالها.
القرينة
الرابعة: تقديم المنطوق على المفهوم لأنه أقوى منه حجة،
مثال: قال الله عز وجل ﴿حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ
وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم
بِهِنَّ﴾[242] . فمحل
الشاهد أن الله تعالى حرم على الرجل الزواج بالربيبة التي في كنفه، ومفهموم الآية
إباحة الزواج منها إن لم تكن في كنفه، وقد تعارض هذا المفهوم مع نهيه (صلى الله
عليه وعلى آله وسلم) عن الزواج من الربيبة مطلقا، فيقدم هذا النهي على مفهوم الآية
لأنه أقوى منه دلالة.
فإذا تعذر الترجيح ننتهي إلى المسلك الرابع
الذي هو مسلك التوقف. ويعني السكوت في
المسألة لجهل الصواب فيها.
الفقه |
هو معرفة الأحكام الشرعية عن طريق الاجتهاد. |
الأصل |
يعني
في اللغة أساس الشيء وفي استعمال الأصوليين الدليل. |
الاجتهاد |
هو
بذل الجهد قصد التعرف على الصواب في شرع الله تعالى. |
علم
أصول الفقه |
هو
علم يبحث في أدلة الفقه الإجمالية وكيفية استنباط الأحكام الشرعية
منها. |
القرآن
الكريم |
كلام
الله المعصوم الذي نزل به جبريل على قلب النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم). |
السنة |
هي ما روي عن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من أقوال وأفعال وتقريرات وصفات خُلقية وخِلقية. |
الإجماع |
هو
اتفاق الفقهاء في المسائل الشرعية. |
القياس |
هو
رد واقعة غير منصوص عليها إلى واقعة منصوص عليها لاتفاق بينهما في العلة والحكم. |
الاستصحاب |
هو
الرجوع إلى حكم أصل الشيء عند افتقاد الدليل الخاص. |
مذهب
الصحابي |
هو
فتوى الصحابي في مسألة شرعية. |
الاستحسان |
هو
ترجيح دليل على دليل أو استثناء حكم فرعي من حكم كلي لاقتضاء عقلي. |
المصلحة
المرسلة |
هي الوسيلة الشرعية التي فيها مصلحة للناس ولم يأت دليل على إباحتها أو تحريمها. |
شرع
من قبلنا |
هو
اتباع شرع الأنبياء قبلنا إذا أقره الإسلام. |
العرف |
كل
ما اعتاد الناس عليه ولم يخالف الشرع الإسلامي. |
سد
الذرائع |
تحريم
ما هو مباح لإفضاءه
إلى الحرام. |
| |
|
|
القرينة |
هي الدليل
الذي يحول حكما عن أصله. |
الحكم
الشرعي |
هو
الخطاب الشرعي الخاص بأفعال المكلفين. |
الحكم
التكليفي |
هو
ما دعى إليه الشرع وفيه مشقة على المكلفين. |
حكم
الواجب |
هو
ما امر به الشرع من قبيل الإلزام. |
حكم
المندوب |
هو
ما أمر به الشرع على سبيل الأفضلية. |
حكم
المباح |
هو
ما أمر به الشرع على سبيل التخيير. |
حكم
المحرم |
هو
ما نهى عنه الشرع بشكل إلزامي. |
حكم
المكروه |
هو
ما نهى عنه الشرع نهيا غير جازم. |
الحكم
الوضعي |
هو
التوجيه الشرعي الذي يتضمن الصحيح والباطل والشرط والعلة والسبب
والركن والمانع وغيرَ ذلك. |
الصحيح |
هو
ما توفرت فيه الشروط وانعدمت فيه الموانع. |
الباطل |
ما
توفرت فيه الموانع وانعدمت فيه بعض الشروط. |
السبب |
الذي
يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم. |
الشرط |
الذي
يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده وجود و لا عدم. |
العلة |
هي
سبب تشريع الحكم |
الركن |
يلزم
من وجوده الوجود ومن عدمه العدم. |
المانع |
الذي
يلزم من وجوده العدم. |
الخبر |
هو
كل قول يمكن أن يحتمل الصدق أو الكذب. |
الإنشاء |
هو
الطلب. |
الحقيقة |
هي
موافقة المعنى لظاهر اللفظ. |
المشرك |
هو
اللفظ الواحد الذي يتضمن عدة معان مختلفة. |
المترادف |
هي
الألفاظ المختفلة في البناء والمتقاربة في المعنى. |
الأمر |
هو
طلب إنجاز الفعل ممن هو أعلى إلى من هو أدنى على سبيل الوجوب. |
النهي |
هو
طلب ترك الفعل ممن هو أعلى لمن هو أدنى على سبيل التحريم. |
العام |
هو
اللفظ المستغرق الشامل. |
الخاص |
هو
اللفظ المـستثني لبعض أفراد العموم. |
المطلق |
هو
ما دل على ذات غير مقيدة بوصف. |
المقيد |
هو
الوصف الذي يقيد مطلق الذات. |
النص |
هو
الدلالة الشرعية التي
لا تحتمل إلا معنى واحدا. |
الظاهر |
هو
الدلالة الشرعية المتضمة لمعنى راجح. |
المؤول |
هو
الدلالة الشرعية التي تحتمل معنى مرجوحا. |
المجمل
|
هو
الدلالة الشرعية التي احتملت معنيين متساويين أو تلك التي افتقرت إلى البيان. |
المبيِّن
أو المفسِّر |
هو
الدلالة الشرعية المفسِّرَة
للمجمل. |
المنطوق |
هو
دلالة اللفظ الظاهرة. |
مفهوم
المخالفة |
هو
المسكوت عنه المخالف للمنطوق في الحكم |
مفهوم
الموافقة |
هو
الحكم المسكوت عنه الموافق للمنطوق. |
دلالة
الإشارة |
هي
المعنى التابع للمقصود من النص. |
دلالة
الإقتضاء |
هي
اللفظ المقدر الذي لولاه لما استقام معنى النص. |
دلالة
الإيماء |
هي
الوصف الذي لولاه لما كان للدليل معنى. |
النسخ |
هو تعويض لفظ
أو حكم شرعي سابق بدليل شرعي لاحق. |
الجمع
بين النصوص |
هو
الأخذ بجميعها وذلك بقراءتها وفهمها على أوجه يقبل بعضها بعضا. |
الترجيح |
هو
الأخذَ بدليل وإهمال آخر. |
التوقف |
هو
السكوت في المسألة لجهل الصواب فيها. |
المـثبِت |
هو
ناقل الحكم. |
النافي |
هو
راد الحكم. |
[1] سورة البقرة
- سورة 2 - آية 183
[2] سورة الفتح
- سورة 48 - آية18
[3] سورة النساء
- سورة 4 - آية 59
[4] سورة الحجر
- سورة 15 - آية 9
[5] سورة المائدة
- سورة 5 - آية 1516
[6] سورة البقرة
- سورة 2 - آية 213
[7] سورة النساء
- سورة 4 - آية105
[8]سورة الأنعام
- سورة 6 - آية 155
[9]
هو
الحديث الذي صحت نسبته إلى النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لسلامته من أي
انقطاع في سلسلة رواته أو ضعف حفظ احدهم او علل قادحة أخرى.
[10] أخرجه الحاكم في
المستدرك جـ1 كتاب العلم ص (93) وصحح إسناده الألباني في صحيح الجامع
برقم ( 3232 ) وكذلك (2937) عن أبي هريرة.
[11] أخرجه البخاري
ومسلم.
[12] أخرجه
البخاري ومسلم.
[13]أخرجه البخاري
ومسلم.
[16] سورة النجم - سورة 53 - آية
2
[17]
(البقرة 43)
[18] الحديث
الضعيف هو الذي لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم لعلة قادحة فيه كانقطاع
في سلسلة الرواة أو عدم الثقة بضبط أحدهم .
[19] سورة الأحزاب
- سورة 33 - آية 34
[20]
(النساء 105)
[21] (النحل 44)
[22] أخرجه
الحاكم في المستدرك جـ1 كتاب العلم وصحح إسناده الألباني في "صحيح الجامع"
.
[23]
أخرجه ابن ماجة وأحمد وغيرهم عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" .
[24]
أخرجه
أبو داود والترمذي وإبن ماجة وأحمد وإبن حبان والحاكم وصححه
الألباني في "صحيح الجامع" .
[25]
أخرجه
أبو داود والترمذي وابن ماجة
وغيرهم،
وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الترمذي".
[26]
(الأنبياء 7)
[27] أخرجه الترمذي وصححه الألباني في "صحيح الجامع" .
[28] ( الأنعام
144)
[29] (الأعراف
28)
[30] سورة النساء
- سورة 4 - آية 115
[31] (البقرة 143)
[32] أخرجه مسلم.
[33] سورة الحديد
- سورة 57 - آية 25
[34]
(النساء 59)
[35] (الحشر 2)
[36] (يوسف 111)
[37] أخرجه
أحمد عن أبي أمامة وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة ".
[38]
أخرجه
أبو داود و صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
[39] (المائدة
90)
[40] سورة الإسراء - سورة 17 - آية 23
[42] (البقرة
29)
[43] (الأعراف
157)
[44] أخرجه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني في "صحيح
سنن ابن ماجة " صحيح لغيره برقم 1910.
[45] (الأنعام
145)
[46] (المؤمنون
51)
[47] (المؤمنون
5-6-7)
[48] (الشورى
21)
[49] أخرجه البخاري ومسلم.
[50] قام
ابن حزم رحمه الله في هذا الكتاب بتهذيب علم أصول الفقه وربطه بالنصوص غير أنه لا
يعترف بالقياس كأصل شرعي و لا بتعليل الأحكام مخالفا في ذلك الجمهور، والسبب في
ذلك يعود إلى جموده على ظاهر النص.
[51] (الحجرات
1)
[52] (الأحزاب
36)
[53] (النساء
59)
[54] (النحل
43)
[55] (النساء
115)
[56] .أخرجه
ابن ماجة وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" برقم 97
[57] أخرجه
أبو داود والترمذي وإبن ماجة وأحمد وإبن حبان والحاكم وصححه
الألباني في "صحيح الجامع" انظر
حديث رقم
2549.
[58]تنبيه: يطلق بعض الأصوليين الاستحسان على ترجيح دليل قوي على دليل أقل
منه قوة، وهذا الاستحسان معتبر باتفاق العلماء لاستناده على دليل شرعي.
[59]الحجر
هو الحجر على المال بحيث لا يستطيع مالكه التصرف فيه.
[61] (البقرة
185)
[62] (الأنبياء
107)
[63] متفق عليه.
[64]
أخرجه
البخاري.
[65]
(الأعراف 199).
[66]
أخرجه
أبو داود.
[67]
(البقرة 183)
[68]
سورة المائدة
- سورة 5 - آية 45
[69]سورة الشورى
- سورة 42 - آية 13
[70] سورة الرعد
- سورة 13 - آية 39
[71] (الأنعام 108)
[72]
جمع
مكلف، ويراد به كل عاقل بالغ.
[73]
المائدة:
5/1
[75]
(الروم 31)
[77] أخرجه البخاري.
[78]
المائدة
89.
[80]
أخرجه
البخاري.
[81] أخرجه البخاري.
[82] الأحزاب 21
[83] أخرجه مسلم.
[84] المؤمنون 51
[85] المائدة 2
[86] سورة النساء
- سورة 4 - آية 23
[87]
أخرجه
مسلم.
[88]
أخرجه
مسلم في صحيحه في كتاب الأشربة، باب الشرب قائما.
[89]
أخرجه
مسلم في صحيحه في كتاب الأشربة، باب الشرب قائماً.
[90] أخرجه البخاري ومسلم.
[91] (محمد 18)
[92] أخرجه البخاري ومسلم.
[93] أخرجه مسلم.
[94] سورة الذاريات
- سورة 51 - آية 56
[95] (البقرة
185)
[96] سورة الأحقاف
- سورة 46 - آية 12
[97] (يوسف 2).
[98] (البقرة
214).
[99] (البقرة
267).
[100]
سورة آل عمران
- سورة 3 – آية19
[102]
(الشورى
11).
[103] (آل عمران
93).
[104] (المائدة
1).
[105] (الرحمن
26-27).
[106] (البقرة
21)
[107] (النساء
78).
[108] (البقرة
214).
[109] (العصر 2).
[110] (البقرة
187).
[111] (الإخلاص
4).
[112]
أخرجه
البخاري.
[113] (النساء
80).
[114]
(النساء 126).
[115]
سورة آل عمران
- سورة 3 – آية 173.
[116] (المؤمنون
5-6)
[117] (الأعراف
109)
[118] أخرجه الحكيم
الترمذي وابن أبي ليلى، وحسنه الألباني.
[119] (الرعد
16)
[120] (الذاريات
41-42)
[121]
(النور 45).
[122] (البقرة
234).
[123]
سورة الطلاق
- سورة 65 – آية 4
[124] (المائدة
3).
[125] أخرجه
أحمد وابن ماجه وغيرهم ، وصححه الألباني ، (أنظر "الصحيحة"
و"إرواء الغليل").
[126] (النور 4).
[127]
(النور 2).
[128]
(النساء 25).
[129]
متفق
عليه.
[130] (النساء 43).
[131] أخرجه الترمذي وصححه الألباني في "صحيح سنن
الترمذي".
[132] أخرجه النسائي وصححه الألباني في "صحيح سنن
النسائي".
[133]
أخرجه
الترمذي وصححه الألباني في "صحيح سنن
الترمذي".
[134]
أخرجه
أحمد في مسنده بسند صحيح.
[135] (البقرة
227).
[136]
(الكوثر 2).
[137] (النساء
92).
[138]
متفق عليه.
[139] (التحريم
5)
[140] أخرجه النِّسائي
وابن ماجه وأبو داود وصحَّحه الألباني.
[141]
متفق
عليه.
[142]
سورة المائدة
- سورة 5 - آية 89
[143] سورة النساء
- سورة 4 - آية 92
[144]
أخرجه البُخَارِيُّ.
[146]
سورة المنافقون
- سورة 63 - آية 10
[147] أخرجه البخاري ومسلم.
[148]
(الحجر 99).
[150] (البقرة
183).
[151]
سورة النور
- سورة 24 - آية 63
[152]
سورة
محمد: 4.
[153]
سورة النور
- سورة 24 - آية 63
[155]
أخرجه
البخاري.
[156]
(آل عمران 133).
[157]
سورة
البقرة: 148.
[158]
أخرجه
البخاري.
[159]
أخرجه
مسلم.
[160]
(الكوثر 2).
[161] أخرجه مسلم.
[162] أخرجه أبو داود وصححه الألباني في " صحيح سنن
أبي داود".
[163] أخرجه البخاري.
[164]
سورة المائدة
- سورة 5 - آية 2
[165]
(البقرة 286).
[166]أخرجه
البخاري.
[167]
أخرجه
البخاري.
[168]
(الإسراء 39).
[169]
(الإسراء 32).
[170]
(الأنعام 151).
[171]
(النساء 23).
[172]
(المائدة 3).
[173]
أخرجه
أبو داود، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
[174]
متفق
عليه.
[175]
(البقرة 228)
[176]
(البقرة 229).
[177]
(الأنعام 120).
[178]
(الحج 30).
[179]
(الحج 30).
[180] (البقرة
286).
[181] (الإسراء
37).
[182]
أخرجه
أبو
داود و النسائي.
[183]
رواه
أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[184]
(الإسراء 32).
[185]
أخرجه
مسلم.
[186] أخرجه مسلم.
[187] (البقرة
172-173).
[188] النص في اصطلاح الفقهاء هو كل دليل شرعي مأخوذ من الكتاب والسنة.
[189] (الفتح
29)
[190] (رواه مسلم).
[191] (الحجر
99)
[192] سورة 2 - آية 228
[193] (النساء
77)
[194] (النساء
77)
[195] (العصر 2)
[196] (المؤمنون
103-104)
[197] (النحل
43)
[198]
صححه
الألباني في "صحيح الجامع" برقم 1836
[199]
(القمر 54-55)
[200] صححه الألباني في "إرواء الغليل" برقم 496
[201] متفق عليه.
[202] (النساء
2)
[204] (النحل
101-102)
[205] سورة آل عمران
- سورة 3 - آية 93
[206] سورة الرعد
- سورة 13 - آية 39
[207]
أخرجه
النسائي وصححه الألباني في "صحيح وضعيف سنن النسائي" برقم (165).
[208] متفق عليه.
[209] (النحل
67)
[210] (المائدة
90)
[211]
رواه
مسلم ومالك.
[212] رواه مسلم في صحيحه في كتاب الرضاع.
[213]
(النحل 67)
[214] (المائدة
90)
[215] صحة
[216] رواه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده.
[217]
رواه
أبو داود
[218] (البقرة
187)
[219] رواه مسلم والترمذي.
[220] (الحشر 7)
[221] (آل عمران
31).
[222] (الأحزاب
21).
[223]
أخرجه
مسلم.
[224] أخرجه
الحاكم وأبو داود وابن ماجة وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة".
[225]
(الأحزاب 50)
[226] (النساء3)
[227] رواه الترمذي.
[228] رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[229]
أخرجه
أبو
داود والنسائي.
[230] أخرجه
البخاري ومسلم.
[232] أخرجه البخاري و مسلم.
[234] أخرجه
الترمذي وحسنه.
[235] أخرجه
الترمذي وصححه الألباني.
[236] رواه البخاري في صحيحه.
[237] رواه البخاري.
[238] رواه الترمذي باسناد جيد.
[239] انظر في صحيح البخاري.
[240]
رواه
مسلم.
[241] رواه أحمد و الترمذي.
[242] (النساء
23)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق